ثم الشك ، والجهل ، والحيرة ، والضلال ، وإرادة الغي ، وشهوة الفجور في القلب : تعود إلى هذه الأمور الأربعة ، فيتعاطى العبد أسباب المرض حتى يمرض ، فيعاقبه الله بزيادة المرض ، لإيثاره أسبابه وتعاطيه لها.
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨))
شبه سبحانه أعداءه المنافقين بقوم أوقدوا نارا لتضيء لهم ، وينتفعوا بها فلما أضاءت لهم النار فأبصروا في ضوئها ما ينفعهم وما يضرهم ، وأبصروا الطريق بعد أن كانوا حيارى تائهين. فهم كقوم سفّر ضلوا عن الطريق ، فأقدوا النار تضيء لهم الطريق ، فلما أضاءت لهم فأبصروا وعرفوا طفئت عنهم تلك الأنوار ، وبقوا في الظلمات لا يبصرون ، قد سدت عليهم أبواب الهدى الثلاث.
فإن الهدى يدخل إلى العبد من ثلاثة أبواب ، مما يسمعه بأذنه ، ويراه بعينه ويعقله بقلبه. وهؤلاء قد سدت عليهم أبواب الهدى ، فلا تسمع قلوبهم شيئا ، ولا تبصره ، ولا تعقل ما ينفعها.
وقيل : لما لم ينتفعوا أسماعهم وأبصارهم وقلوبهم نزّلوا منزلة من لا سمع له ولا بصر ولا عقل. والقولان متلازمان.
وقال في صفتهم (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) لأنهم قد رأوا في ضوء النار ، وأبصروا الهدى ، فلما أطفئت عنهم لم يرجعوا إلى ما رأوا وأبصروا.
وقال سبحانه وتعالى : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) ولم يقل : ذهب نورهم. وفيه سر بديع ، وهو انقطاع سر تلك المعية الخاصة التي هي للمؤمنين من الله تعالى ، فإن الله تعالى مع المؤمنين ، و ٢ : ١٥٣ (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) و ١٦ : ١٢٨ (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ).