إن جعلته استثناء متصلا فله وجه صحيح من التأويل.
معناه : إلا الذين ظلموا فإنّ لهم عليكم حجة لا صحة لها ، وهي ـ وإن لم تصح ـ لا يزول عنها اسم الحجة ، كقوله تعالى : (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ) (١) وإن كانت داحضة باطلة سمّاها حجة.
وكقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) (٢).
وحقيقة الحجة في اللغة : إظهار برهان تدحض به حجة الخصم.
وقيل : إن الاستثناء ههنا منقطع ، فمعناه : لكن الذين ظلموا فإنهم يحتجون عليكم ولا حجة لهم.
وقيل : إن الاستثناء ههنا بمعنى الواو ، كأنه قال : لئلا يكون للناس «لليهود» عليكم حجة ، والذين ظلموا : أشركوا لا حجة لهم أيضا.
ونظائرها من القرآن من المتصل والمنقطع بمعنى الواو ما نذكرها إن شاء الله ، منها قوله تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) (٣) ، فههنا يحتمل المنقطع والمتصل ، أما المنقطع ، فمعناه لكن من ظلم فمرخّص له أن يجهر. ومعنى المتصل : لا يحب الله الجاهر بالقول السوء إلا من ظلم ، فإنه إن يجهر القول بالدعاء على ظالمه ويظهر شكاية منه كان له ذلك.
وقوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) (٤). المعنى : لكن يسمعون ؛ لأن الاستثناء إذا لم يكن من جنس المستثنى منه يكون منقطعا ، فيكون منصوبا على القطع.
__________________
(١) سورة الشورى : آية ١٦.
(٢) سورة البقرة : آية ٢٥٨.
(٣) سورة النساء : آية ١٤٨.
(٤) سورة الواقعة : آية ٢٦.