قال العلماء بالتفسير والسير : لما سمع النبي صلىاللهعليهوسلم بإقبالهم أمر بحفر الخندق ، وكان ذلك من رأي سلمان الفارسي رضي الله عنه ، ثم خرج في ثلاثة آلاف فضرب بعسكره الخندق بينه وبين المشركين ، وأمر بالذراري والنساء فرفعوا في الآطام (١) ، واشتد الخوف ، وظن المؤمنون كل ظن ، ونجم النفاق من المنافقين ، حتى قال معتب بن قشير : كان محمد يعدنا كنوز كسرى وقيصر ونحن لا نقدر نذهب إلى الغائط. وكانت قريش قد أقبلت في عشرة آلاف من الأحابيش وبني كنانة وأهل تهامة ، وقائدهم أبو سفيان ، وغطفان ومن تابعهم من أهل نجد في ألف ، وقائدهم عيينة بن حصن ، وعامر بن الطفيل في هوازن ، وضامتهم قريظة والنضير ، ومكثوا نحوا من شهر ، ولم يجر بينهم إلا الترامي بالنبل والحجارة (٢).
وفي الحديث : «أن شابا قال لحذيفة بن اليمان : هل رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : إي والله لقد رأيته ، قال : والله لو رأيناه لحملناه على رقابنا وما تركناه يمشي على الأرض ، فقال له حذيفة : يا ابن أخي ، أفلا أحدثك عني وعنه؟ قال : بلى ، قال : والله لو رأيتنا يوم الخندق وبنا من الجهد والجوع والخوف ما لا يعلمه إلا الله ، قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم فصلى ما شاء الله من الليل ، فقال : ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله رفيقي في الجنة ، فو الله ما قام منا أحد مما بنا من الخوف والجهد والجوع والبرد ، ثم صلى ما شاء الله ، ثم قال : ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله رفيقي في الجنة ، قال حذيفة : فو الله ما قام منا أحد مما بنا من الجهد والخوف والجوع والبرد ، فصلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما شاء ، ثم قال : ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله رفيقي في الجنة ،
__________________
(١) الآطام : جمع أطم : حصن مبني بالحجارة. وقيل : هو كل بيت مربّع مسطّح (اللسان ، مادة : أطم).
(٢) أخرج نحوه الطبري (٢١ / ١٣٠ ـ ١٣١). وانظر : تاريخ الطبري (٢ / ٩٣ ـ ٩٤).