فو الله ما قام منا أحد ، فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا حذيفة ، فلم أجد بدا من إجابته ، فقلت : لبيك يا رسول الله ، قال : اذهب فجئني بخبر القوم ، ولا تحدثن شيئا حتى ترجع ، قال : فأتيت القوم وكأني أمشي في حمّام ، فإذا ريح الله وجنوده تفعل بهم ما تفعل ، لا يستمسك لهم بناء ولا تثبت لهم نار ، ولا تطمئن لهم قدر ، فإني لكذلك إذ خرج أبو سفيان من رحله ثم قال : يا معاشر قريش لينظر أحدكم من جليسه ، قال حذيفة : فبدأت بالذي إلى جنبي فقلت : من أنت؟ قال : أنا فلان ، قال : ثم دعا أبو سفيان براحلته ، فقال : يا معاشر قريش! والله ما أنتم بدار مقام ، لقد هلك الخف والحافر (١) ، وأخلفتنا بنو قريظة ، وهذه الريح لا يستمسك لنا معها شيء ، ولا تثبت لنا نار ، ولا تطمئن قدر ، ثم عجل وركب راحلته وإنها لمعقولة ما حلّ عقالها إلا بعد ما ركبها ، قال : فقلت في نفسي : لو رميت عدو الله فقتلته كنت قد صنعت شيئا ، فوترت قوسي ثم وضعت السهم في كبد القوس وأنا أريد أن أرميه فأقتله ، فذكرت قول النبي صلىاللهعليهوسلم : لا تحدثن شيئا حتى ترجع ، قال : فحططت القوس ثم رجعت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكأني أمشي في حمّام ، فأتيته وهو يصلي ، فلما سمع وجسي فرج بين رجليه فدخلت تحته وأرسل عليّ طائفة من مرطه (٢) ، فركع وسجد ، ثم قال : ما الخبر؟ فأخبرته ، فضحك حتى بدت ثناياه في سواد الليل» (٣).
__________________
(١) هلك الخف والحافر : خف الجمل وحافر الفرس. والمعنى : أنهم ذبحوا الجمال لأكلها وهلكت الفرسان لقلة المرعى ولوجودها في ساحة القتال.
(٢) المرط : كساء من خز أو صوف أو كتان (اللسان ، مادة : مرط).
(٣) أخرجه الطبري (٢١ / ١٢٧ ـ ١٢٨) عن محمد بن كعب القرظي. وذكره ابن هشام في : السيرة ـ