فإن قيل : لا شبهة أن ترك الصلاة أعظم جرما من كثير من الكبائر المعدودة في الأحاديث ، لا سيما وقد صار علم العلماء أحمد رضي الله عنه إلى تكفير تاركها ، وهو قول للشافعي (١) رضي الله عنه وكذلك منع الزكاة ، وترك صوم رمضان ، وترك الحج ، فما بالها لم تذكر في الكبائر؟!
قلت : هذه مباني الإسلام وأركانه ، فتركها مؤثر في وهن الإسلام وضعفه ، ومخرج للمتلبس بمجانبتها عن أن يكون راسخ القدم في الإسلام ، فيدخل في حيز الكفر ، وهو أعظم الكبائر المعدودة في الأحاديث ، فكان ترك ذكرها في الكبائر مشعرا بكونها مضارعة للكفر.
ويحقق هذا المعنى قوله صلىاللهعليهوسلم : «بين الرّجل وبين الكفر ترك الصّلاة» (٢).
وقوله في تارك الحج : «فليمت إن شاء يهوديا ، وإن شاء نصرانيا» (٣).
وقتال أبي بكر والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة ، حتى ألحقوهم بالمرتدّين بذلك.
قال السدي : " نكفر عنكم سيئاتكم" يريد : الصغائر (٤).
(وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) قرأ نافع : «مدخلا» بفتح الميم ، هنا وفي الحج (٥) :
__________________
(١) انظر : المجموع (٣ / ١٧) ، والمغني (٢ / ١٥٦).
(٢) أخرجه مسلم (١ / ٨٨ ح ٨٢).
(٣) أخرجه الترمذي (٣ / ١٧٦ ح ٨١٢) ، والبيهقي في الكبرى (٤ / ٣٣٤ ح ٨٤٤٣).
(٤) أخرجه الطبري (٥ / ٤٤) ، وابن أبي حاتم (٣ / ٩٣٤). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٥٠٦) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.
(٥) الحج : ٥٩ ، في قوله تعالى : (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ).