اشتد عليهم الأمر بعث إليك ابن عمه (١) ليفسد عليك دينك وملكك ورعيتك ، فاحذرهم وادفعهم إلينا لنكفيكهم.
قالوا : وآية ذلك أنهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ، ولا يحيونك بالتحية التي يحييك بها الناس ، رغبة عن دينك وسنّتك.
قال : فدعاهم النجاشي ، فلما حضروا صاح جعفر بالباب : يستأذن عليك حزب الله ، فقال لهم النجاشي : مروا هذا الصائح فليعد كلامه ، ففعل جعفر ، فقال النجاشي : نعم ، فليدخلوا بأمان الله وذمته ، فنظر عمرو بن العاص إلى صاحبه فقال : ألا تسمع كيف يرطنون (٢) بحزب الله ، وما أجابهم به النجاشي ، فساءهما ذلك. ثم دخلوا عليه ولم يسجدوا له ، فقال عمرو بن العاص : ألا ترى أنهم يستكبرون أن يسجدوا لك؟ فقال لهم النجاشي : ما منعكم أن تسجدوا لي ، وتحيوني بالتحية التي يحييني بها من أتاني من الآفاق؟ قالوا : نسجد لله الذي خلقك وملّكك ، وإنما كانت تلك التحية لنا ونحن نعبد الأوثان ، فبعث الله منّا نبيا صادقا ، وأمرنا بالتحية التي رضيها الله لنا وهي السلام ، تحية أهل الجنة ، فعرف النجاشي أن ذلك حق ، وأنّه في التوراة والإنجيل. قال : أيكم الهاتف : يستأذن عليك حزب الله؟ قال جعفر : أنا ، قال : يتكلم ، قال : إنك ملك من ملوك الأرض ، ومن أهل الكتاب ، ولا يصلح عندك كثرة الكلام ، ولا الظلم ، وأنا أحب أن أجيب عن أصحابي ، فمر هذين الرجلين فليتكلم أحدهما ولينصت الآخر ، فتسمع محاورتنا. فقال عمرو
__________________
(١) يعني : جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه.
(٢) قال في النهاية : يرطنون بحزب الله ، أي : يكنون ولم يصرّحوا بأسمائهم (النهاية في غريب الحديث ، مادة : رطن).