لقد عني
العلماء بالقرآن الكريم من جميع جوانبه ، فلم يتركوا جانبا من جوانبه إلا وخاضوا
في البحث فيه ، لقد بحثوا في القرآن الكريم من حيث تواتره ، وبحثوا فيه من حيث
قراءاته ، وبحثوا فيه من حيث بيانه وإعجازه ، وبحثوا فيه من حيث محكمه ومتشابهه ،
وبحثوا فيه من حيث ناسخه ومنسوخه ، وألفوا في ذلك مؤلفات تضيق الكتب عن عدها
وحصرها.
ولكن أهم شيء
عنوا به في القرآن الكريم هو تفسيره وبيان مقاصده ومراميه.
فمنهم من عني
بتفسيره بالمأثور عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ومنهم من عني بأسباب نزوله ، ومنهم من عني بتفسير
غريبه ، ومنهم من عني باستخراج أحكامه ، إلى غير ذلك مما رأى العلماء أن الناس
بحاجة إليه.
وبما أنّ الله
جلّت قدرته أنزل هذا الكتاب الكريم قرآنا عربيا أبرز كثير من المفسرين هذه الناحية
فيه ، فمن متكلم على وجوه الإعراب فيه ، ومن متكلم على ضروب البلاغة في ألفاظه
وتراكيبه ، وعن وجوه الإعجاز في آياته.
ولقد أطلعني
المحقق الأخ الكريم السيد صفوان الداوودي على قسط من التفسير الموسوم ب «وضح
البرهان في مشكلات القرآن» لمؤلفه الإمام محمود بن أبي الحسن النيسابوري الملقب
ببيان الحق المتوفى سنة ٥٥٥.
ورأيت ما قام
به الأخ المحقق من جهد مشكور في تحقيق هذا التفسير الجليل وإخراجه الإخراج اللائق
به.
أما التفسير
فرأيته أتى بما لم يأت بمثله إلا جهابذة العلماء المتذوقين للغة العربية في مختلف
جوانبها ، ومع اهتمامه بكثير من جوانب التفسير ، فقد أكثر في بيان معاني القرآن من
الاستشهاد بالشواهد العربية ، ولم يأت بهذه الشواهد ليبرهن على صحة ما جاء فيه من
استعمال للألفاظ العربية ، ولكن لتوضيح المعاني والمقاصد التي قصد إليها ، إذ لا
يفهم حقيقة معاني القرآن ، إلا من كان ضليعا في علوم اللغة العربية ، ومتبحرا فيها
وعالما بأسرارها ، ومتذوقا لجمالها.