ربّهم : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ ،) فيسكت عنهم قدر عمر الدّنيا مرّتين ، ثمّ يردّ عليهم : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) فو الله ما نبس القوم بعدها بكلمة وما هو إلّا الزّفير والشّهيق. فشبّه أصواتهم بأصوات الحمير : أوّلها زفير ، وآخرها شهيق. (١)
أبو أمية عن سليمان التيمي أن أهل النّار يدعون خزنة أهل النّار أربعين سنة ، ثم يكون جوابهم إيّاهم : ألم تأتكم رسلكم بالبينات؟ (قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ)(٢) ثم ينادون مالكا فلا يجيبهم مقدار ثمانين سنة. ثم يكون جواب مالك إيّاهم : (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ). ثم يدعون ربهم : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها ،) فلا يجيبهم مقدار الدنيا مرّتين ، ثم يكون جوابه إياهم : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) ثم إنما هو الزّفير والشّهيق.
قوله : (اخْسَؤُا فِيها) (١٠٨)
تفسير الحسن والسدي : اصغروا فيها ، الخاسىء عندهما الصّاغر.
وتفسير قتادة : الخاسىء : الذي لا يتكلّم ، ليس إلّا الزّفير والشهيق.
قوله : (إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي) (١٠٩) يعني المؤمنين.
(يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) (١٠٩) أفضل من رحم.
وقد جعل الله الرّحمة في قلب من يشاء ، وذلك من رحمة الله وهو أرحم من خلقه.
الصلت بن دينار عن أبي عثمان النّهدي (٣) عن سلمان الفارسي قال : إن الله خلق يوم خلق السّماوات والأرض مائة رحمة ، كلّ رحمة منها طباقها السماوات والأرض ، فأنزل منها رحمة واحدة فيها تتراحم الخليقة ، حتّى ترحم البهيمة بهيمتها ، والوالدة ولدها ، حتى إذا كان يوم القيامة (جاء) (٤) بتلك التسع والتسعين الرحمة ، ونزع تلك الرّحمة من قلوب الخليقة فكمّلها مائة رحمة ، ثم نصبها بينه وبين خلقه. فالخائب من خيّب من تلك المائة الرّحمة.
__________________
(١) في الطبري ، ١٨ / ٦٠ : عن معمر عن قتادة بلفظ قريب.
(٢) غافر ، ٥٠.
(٣) هو عبد الرحمن بن ملّ انظر ترجمته في تهذيب التهذيب ٦ / ٢٧٧.
(٤) في ع : خا.