وقال السدي : (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ :) بشرفهم (فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ) يعني عن شرفهم (مُعْرِضُونَ).
قال يحيى : سمعت سفيان الثوري يذكر في هذه الآية : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ)(١) : فيه شرفكم.
قوله : (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً) (٧٢)
قال قتادة : أم تسألهم على ما أتيتهم به جعلا ، أي إنك لا تسألهم عليه أجرا.
قال : (فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ) (٧٢) أجر ربّك أي ثوابه في الآخرة خير من أجرهم لو أعطوك في الدّنيا أجرا.
قال : (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (٧٢)
وقد يجعل الله رزق العباد بعضهم من بعض ، يرزق الله إيّاهم ، يقسم رزق هذا على يدي هذا (وَهُوَ خَيْرُ) أفضل (الرَّازِقِينَ). وهو تفسير السدي.
عبد الرحمن بن يزيد الشّامي عن عثمان بن حيان عن أم الدرداء قالت : ما بال أحدكم يقول : اللهم ارزقني ، وقد علم أنّ الله لا يمطر عليه من السّماء دنانير ولا دراهم ، وإنّما يرزق بعضكم من بعض ، فمن ساق الله إليه رزقا فليقبله ، وإن لم يكن إليه محتاجا فليعطه في أهل الحاجة من إخوانه ، وإن كان محتاجا استعان به على حاجته ، ولا يردّ على الله رزقه الّذي رزقه.
الخليل بن مرة عن عمران القصير قال : لقيت مكحولا بمكة ، فأعطاني شيئا فانقبضت عنه فقال : خذه فإنّي سأحدّثك فيه بحديث. فقلت : حدّثني به فإنّه أحبّ إليّ منه. فقال : أعطى رسول الله عمر شيئا ، فكأنّه انقبض عن أخذه ، فقال له رسول الله : «إذا أتاك الله بشيء لم تطلبه ولم تعرض له فخذه ، فان كنت محتاجا إليه فأنفقه ، وإن لم تكن إليه محتاجا فضعه في أهل الحاجة».
ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن قبيصة بن ذويب أن عمر بن الخطّاب دفع إلى عبد الله بن سعد ، رجل من قريش ، ألف دينار ، فقال : لا إرب لي بها يا أمير المؤمنين ، ستجد من هو أحوج إليها منّي. فقال خذها / فإنّما قلت لي كما قلت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «يا عمر ، ما أتاك من عطاء غير مشرفة له نفسك ولا سائلة فأقبله».
__________________
(١) الأنبياء ، ١٠.