وقد قيل : إن المعنى : يغفر لكم من ذنوبكم بحسب ما يكون من الإقلاع عنها ، فهذا على احتمال بعض إن لم يقلعوا عن بعض (١).
وأجاز الأخفش (٢) أن تزاد (مِنْ) في الواجب ، فالتقدير على هذا : يغفر لكم ذنوبكم.
قوله تعالى : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) [نوح : ١٣]
قال ابن عباس ومجاهد والضحّاك المعنى : مالكم لا ترجون لله عظمة ، وقيل معنى ترجون : تخافون (٣) ، قال أبو ذؤيب (٤) :
إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها |
|
وخالفها في بيت نوب عوامل |
أي : لم يخف ، والنّوب : النّحل.
و (اللام) على هذا متعلقة بما دلّ عليه الكلام ، والتّقدير : مالكم لا ترجون عظمة الله (٥).
قوله تعالى : (وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً) [نوح : ٢٢].
الكبّار والكبار والكبير بمعنى واحد ، إلا أن بينها تفاوتا في المبالغة ، فالكبّار أشدها مبالغة ، والكبار دون ذلك (٦) ، ويروى أن أعرابيا سمع النبي صلىاللهعليهوسلم يقرأ : (وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً) فقال : ما أفصح ربك يا محمد ، وهذا من جفاء الأعراب ؛ لأن الله تعالى لا يوصف بالفصاحة (٧).
ومن سورة الجنّ
قوله تعالى : (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) [الجن : ٣].
الجدّ هاهنا : العظمة ؛ لانقطاع كل عظمة عنها ، لعلوها عليها ، ومن هذا قيل لأب الأب (جد) لانقطاعه ، لعلو أبوته ، وكل من فوقه لهذا الولد (أجداد).
__________________
(١) نسبه الماوردي في النكت والعيون : ٦ / ٩٩ إلى ابن شجرة.
(٢) معاني القرآن للأخفش : ١ / ٩٩.
(٣) معاني القرآن للأخفش : ٢ / ٥٠٩ ، وجامع البيان : ٢٩ / ١١٧.
(٤) ديوان الهذليين : ٢ / ١٢٤ ، وهو من شواهد الأخفش في معاني القرآن : ٢ / ٥٠٩.
(٥) ينظر بحر العلوم : ٣ / ٤٠٧ ، والنكت والعيون : ٦ / ١٠١.
(٦) ينظر معاني القرآن للفراء : ٣ / ١٨٩ ، ومجاز القرآن : ٢ / ٢٧١ ، ومعاني القرآن وإعرابه : ٥ / ١٧٩.
(٧) مجمع البيان : ١٠ / ١٣٥.