بات يعشّيها بعضب باتر |
|
يعدل في أسواقها وجائر (١) |
قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الملك : ٢٢].
يقال : ما معنى الاستفهام هاهنا ، وقد علم أن من يمشي على صراط مستقيم أهدى ممن يمشي مكبّا؟
والجواب : أنه إنكار وتبكيت وليس باستفهام في الحقيقة ؛ لأن الاستفهام إنما يكون عن جهل من المستفهم بما يستفهم عنه ، وهذا لا يجوز على القديم تعالى ، ومثل هذا الإنكار قوله تعالى : (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) [يونس : ٥٩].
وكذلك قوله تعالى : (آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) [الأنعام : ١٤٣] فأمّا قوله : (آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) [النمل : ٥٩] ، فإنما جاز هذا وقد علم أنّه تعالى لا خير ممّا يشركون من قبل أنهم كانوا يعتقدون أن فيما يشركون خيرا ، فخاطبهم على قدر اعتقادهم من جهة التبكيت لهم والإنكار عليهم ، وفيه حذف والتقدير : أعبادة الله خير أم عبادة ما يشركون ، ومثله : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ) [يوسف : ٣٩].
ويقال : أكبّ الرجل على الرجل فهو مكبّ ، وكببته (٢) أنا ، وهذا من نوادر الفعل ، وذلك أن (أفعل) لازم و (فعل) متعد ، والأصول المقررة بخلاف ذلك ، نحو قولك : قام وأقمته وخرج وأخرجته ، فيكون (فعل) لازما في مثل هذا ، و (أفعل) متعديا ، ومثل (أكبّ) قولهم : أنزفت البئر ، إذا ذهب ماؤها ، وأنزفتها أنا ، وأقشع الغيم ، وقشعته الرّيح ، وأنسل ريش الطّائر ، ووبر البعير إذا تقطع وسقط ، ونسلته أنا نسلا ، وأمرت النّاقة ، إذ درّ لبنها ، ومريتها أنا إذا استدررتها بالمسح ، وأشنق البعير إذا رفع رأسه ، وشنّقته أنا إذا مددته بالزّمام ، وقال الله تعالى في (كبّ) متعديا : (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) [النمل : ٩٠] ، وكذلك : (فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ) [الشعراء : ٩٤].
__________________
(١) لم أقف على قائله ، وهو من شواهد القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ١٨ / ٢١٨ ، وابن عقيل في شرحه على الألفية : ٢ / ٢٤٥.
(٢) ينظر العين : ٥ / ٢٨٤ (كب) ، ومعاني القرآن للفراء : ٣ / ١٧١.