ادخلوا الأول فالأول ، أي : ادخلوا متتابعين ، فهذا على تقدير طرح الألف واللام ، قال : وقرأ بعضهم : (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) بنون مضمومة ، وهذا يدلّ على هذه الإجازة ، ونصب (الْأَعَزُّ ؛) لأنه مفعول ، قال : ومعناها : لنخرجنّ الأعزّ في نفسه ذليلا (١).
قوله تعالى : (فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [المنافقون : ١٠].
يسأل عن نصب : (فَأَصَّدَّقَ؟)
والجواب : أنه منصوب ؛ لأنه جواب التّمني بالفاء (٢) ، وكل جواب بالفاء نصب إلا جواب الجزاء فإنه رفع على الاستئناف ؛ لأن الفاء في الجزاء وصلة إلى الجواب بالجملة من المبتدأ والخبر ، وإنما نصب الجواب للإيذان بأن الثاني يجب أن يكون بالأول ، ودلت الفاء على ذلك ، ولا يحتاج إلى ذلك في الجزاء ؛ لأن حروف الجزاء تربط الكلام.
وقرأ أبو عمرو وحده وأكون بالنّصب والواو ، وقرأ الباقون (وَأَكُنْ)(٣) ، وقيل لأبي عمرو : لم سقطت من المصحف؟ فقال : كما كتبوا (كلمن) (٤) ، يعني : أنها كذا يجب أن تكون ، وإنّما حذفت من المصحف استخفافا ، وهي قراءة عبد الله ، وأجاز الفراء (٥) : النصب مع حذف الواو ، والنصب على العطف.
وأما من قرأ (وَأَكُنْ) فإنّه عطف على (الفاء) قبل دخولها ؛ لأنها لو لم تدخل لكان الفعل مجزوما (٦) ، وكل جواب يكون مصدرا منصوبا بالفاء فهو مجزوم بغير (الفاء) إلا الجحد فإنه لا يكون إلا ب : (الفاء) ، و (الفاء) تدخل جوابا لسبعة أشياء وهي : الأمر والنّهي والتّمني والجحد والاستفهام والعرض والشرط (٧).
__________________
(١) معاني القرآن للفراء : ٣ / ١٦٠.
(٢) ينظر معاني القرآن للأخفش : ١ / ٦٢ ، والتعليقة : ٢٠٨ ، والأزهية : ١٦٦.
(٣) ينظر السبعة : ٦٣٧ ، ومعاني القراءات : ٤ / ٧١ ، والمبسوط : ٤٣٧.
(٤) أي : كما سقطت حروف المد واللين من (كلمون). ينظر تأويل مشكل القرآن : ٥٦ ، والصاحبي : ١٥.
(٥) معاني القرآن للفراء : ٣ / ١٦٠.
(٦) هذا قول الخليل وسيبويه في الكتاب : ١ / ٤٥٢ ، ووافقهما الأخفش في معاني القرآن : ١ / ٦٢ ، وابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن : ٥٦ ، والمبرد في المقتضب : ٢ / ٣٣٩ ، وأما ابن برهان في شرح اللمع : ٢ / ٣٧٠ ، فقد ردّ هذا القول وفنّده.
(٧) ينظر سر صناعة الإعراب : ١ / ٢٧٠.