وفي حرف عبد الله انفضوا إليه (١) ، ففي القراءة الأولى عاد الضمير إلى التجارة وفي القراءة الثانية على اللهو ، وجاز أن يعود الضمير على أحدهما اكتفاء به ، وكأنه على حذف ، والمعنى : وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها ، وإذا رأوا لهوا انفضوا إليه ، فحذف (إليه) لأن (إليها) يدلّ عليه (٢).
قال الفراء (٣) : إنما قال : (إِلَيْها ؛) لأنّها كانت أهمّ إليهم ، وهم بها أسرّ من الطبل ؛ لأن الطبل إنما دلّ على التجارة ، والمعنى كله له.
فصل :
وممّا يسأل عنه أن يقال : لم قدّم التجارة على اللهو هاهنا ، وأخّرها في قوله : (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ)
والجواب : أن التّجارة هي المطلوبة ، والفائدة فيها ، واللهو لا فائدة فيه ، فأعلمهم أنهم إذا [١٠١ / و] رأوا تجارة وهي المرغوب فيها عندهم أو لهوا ولا فائدة فيه فينفضون ، وعجزهم بذلك وبكتهم لأنهم يعذرون في بعض الأحوال على التجارة ولا يعذرون على اللهو ؛ لأنه ليس مما يرغب فيه العقلاء كما يرغبون في التجارة ، ثم قال لنبيه عليهالسلام : قل لهم : (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ) الذي لا فائدة فيه (وَمِنَ التِّجارَةِ) التي فيها الفائدة ، فأخر الأول هاهنا ليعلمهم أن ما عند الله خير مما لا فائدة فيه ومن الذي فيه فائدة ، والعرب تبتدي بالأدنى ثم تتبعه بالأعلى ، نحو قولهم : فلان يعطي العشرات والميئات والآلاف (٤).
ومن سورة المنافقين
قوله تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) [المنافقون : ٤].
__________________
(١) ذكره الفراء في معاني القرآن : ٣ / ١٥٧.
(٢) ينظر مجاز القرآن : ٢ / ٢٥٨ ، ومعاني القرآن للأخفش : ١ / ٨١ ، وتأويل مشكل القرآن : ٢٨٨ ، وإعراب القرآن للنحاس : ٣ / ٤٣١ ، والصاحبي : ٣٦٢.
(٣) معاني القرآن للفراء : ٣ / ١٥٧.
(٤) ينظر المحرر الوجيز : ٥ / ٣١٠.