وقيل الغالب (١) ، ومنه قوله تعالى : (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) [ص : ٢٣] ، والحكيم : المحكم للأشياء (٢) ، وأصل أحكم : منع ، قال الأصمعي : قرأت في كتاب بعض الخلفاء : (أحكموا بني فلان عن كذا) ، قال الشاعر (٣) :
أبني كليب أحكموا سفهاءكم |
|
إنّي أخاف عليكم أن أغضبا |
ومن هذا أخذت حكمة الدّابة للحديدة (٤).
وممّا يسأل عنه أن يقال : لم جاز (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ ،) و (ما) إنما يقع على ما لا يعقل ، والتّسبيح إنما هو لمن يعقل؟ وعن هذا جوابان :
أحدهما : أن (ما) هاهنا بمعنى (من) كما حكى أبو زيد عن أهل الحجاز أنهم كانوا إذا سمعوا الرعد قالوا : سبحان ما سبّحت له (٥).
والثاني : أن (ما) أعمّ من (من) وذلك أنها تقع على ما لا يعقل وعلى صفات من يعقل ، فقد شاركت (من) في من يعقل وزادت عليها بكونها لما لا يعقل فصارت أعمّ منه ، فجاءت لتدلّ على أنّ التسبيح من جميع الخلق عاقلهم وغير عاقلهم عام ، ويدلّ على هذا قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الإسراء : ٤٤].
قوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) [الجمعة : ١١].
جاء في التفسير : أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يخطب يوم الجمعة فقدم دحية الكلبي بتجارة من الشّام وفيها كل ما يحتاج إليه الناس ، فضرب الطبل ليؤذن الناس بقدومه ، فخرج جميع النّاس إلا ثمانية نفر ، فأنزل الله سبحانه : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً) يعني التي قدم بها ، (أَوْ لَهْواً) يعني الضرب بالطبل (٦).
ويسأل عن قوله : (انْفَضُّوا إِلَيْها ،) ولم يقل : (إليهما)؟
__________________
(١) تفسير أسماء الله الحسنى : ٣٣.
(٢) المصدر السابق : ٤٣ ، ٥٢.
(٣) هو جرير ، ديوانه : ١ / ٥٠ ، وهو من شواهد الخليل في العين : ٣ / ٦٧ (حكم).
(٤) ينظر العين : ٣ / ٦٧ (حكم).
(٥) الجامع لأحكام القرآن : ٢٠ / ٧٤.
(٦) معاني القرآن للفراء : ٣ / ١٥٧ ، وأسباب نزول الآيات : ٢٨٦.