والجواب : أنه جاء على طريق ما يدل على خير التجارة لا على نفس الخبر إذ الفعل يدل على مصدره وانعقاده بالتجارة في المعنى لا في اللفظ ، وفي ذلك توطئة لما يبنى على المعنى في الإيجاز (١).
ويسأل عن جزم (يَغْفِرْ لَكُمْ ، وَيُدْخِلْكُمْ؟)
أحدهما : أنه جواب (هَلْ ؛) لأنها استفهام وجواب الاستفهام مجزوم (٢) ، وهو قول الفراء (٣) ، وأنكر هذا القول أصحابنا (٤) ، وقالوا : الدلالة على التجارة لا توجب المغفرة.
والقول الثاني : أنه محمول على المعنى (٥) ؛ لأن قوله : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) معناه : آمنوا بالله ورسوله وجاهدوا في سبيل الله ، فهو أمر جاء في لفظ الخبر ، ويدل على ذلك أنّ عبد الله بن مسعود قرأ : «ءامنوا بالله ورسوله وجاهدوا في سبيل الله» ولا يمتنع أن يأتي الأمر بلفظ الخبر كما أتى الخبر بلفظ الأمر في قوله تعالى : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) [مريم :
٧٥] ، والمعنى : فمدّ له الرحمن مدا ؛ لأن القديم تعالى لا [١٠٠ / ظ] يأمر نفسه ، ومثل ذلك : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) [مريم : ٣٨] ، فلفظه لفظ الأمر ، ومعناه الخبر أي : ما أسمعهم وأبصرهم ، أي : هؤلاء ممن يجب أن يقال لهم ذلك.
من سورة الجمعة
قوله تعالى : (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [الجمعة : ١]
التسبيح : التنزيه لله تعالى (٦) ، والقدّوس : المطهر من العيوب (٧) ، والتّقديس : التّطهير ، ومنه يقال : القدس حظيرة الجنّة ، ويقال : للسطل قدس ؛ لأنه يتطهر به ، والعزيز : الممتنع ،
__________________
(١) ينظر الأصول : ٢ / ١٧٦ ـ ١٧٧.
(٢) ينظر الكتاب : ١ / ٤٤٩.
(٣) معاني القرآن للفراء : ٣ / ١٥٣ ـ ١٥٤ ، وهو قول سيبويه في الكتاب : ١ / ٤٤٩ ، والمبرد في المقتضب : ٢ / ٨٢.
(٤) يقصد أبا علي الفارسي ، فهو الذي صرح بذلك في تعليقته على كتاب سيبويه : ٢ / ٢٠٣.
(٥) إعراب القرآن للنحاس : ٣ / ٤٢٣ ، والمسائل المنثورة : ١٥٥.
(٦) العين : ٣ / ١٥١ (سبح).
(٧) تفسير أسماء الله الحسنى : ٣٠ ، وبحر العلوم : ٣ / ٣٦١.