والاستمتاع بأصناف الرياحين وما في الأشجار من الثمار الشهية ، وصنوف الفواكه اللذيذة ، فلا شيء أدعى إلى الخضوع والعبادة لمن أنعم بهذه النعمة الجليلة مما فيه مثل الذي ذكرنا في النجم والشجر.
قوله تعالى : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [الرحمن : ٣١ ـ ٣٢].
يسأل عن معنى : (سَنَفْرُغُ؟)
والجواب : أن معناه : سنعمل عمل من يتفرغ للعمل لتجويده من غير تصحيح فيه ، وهذا من أبلغ الوعيد وأشده ؛ لأنه يقتضي أن يجازى العبد بجميع ذنوبه ، وليس من الفراغ الذي هو نقيض المشتغل ؛ لأن الله تعالى لا يشغله شيء عن شيء (١).
والثقلان : الإنس والجن ، سميا بذلك لعظم شأنهما إلى ما في الأرض من غيرهما ، فهو أثقل وزنا لعظم الشأن بالعقل والتمكين والتكيف لأداء الواجب في الحقوق (٢).
وممّا يسأل عنه أن يقال : لم كرّر في هذه السورة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) في عدة مواضع؟
والجواب : أنه ذكر آلاء كثيرة ، فكرر التقرير ، ليكون كل تقرير لنعمة ، والعرب تكرر مثل هذه الأشياء للتوكيد ، نحو قولك : اعجل اعجل ، وتقول للرامي ارم ارم ، قال الشاعر :
كم نعمة كانت لكم كم كم وكم (٣)
وقال آخر (٤) :
هلّا سألت جموع كندة |
|
يوم ولّوا أين أينا؟ |
وقال الفرزدق (٥) :
__________________
(١) ينظر معاني القرآن للفراء : ٣ / ١١٦ ، ومجاز القرآن : ٢ / ٢٤٤ ، وتأويل مشكل القرآن : ١٠٥ ، ومعاني القرآن وإعرابه : ٥ / ٧٨.
(٢) معاني القرآن وإعرابه : ٥ / ٧٨.
(٣) لم أقف على قائل هذا البيت ، وهو من شواهد المرتضى في أماليه : ١ / ٨٤ ، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ١٧ / ١٦٠.
(٤) البيت لعبيد بن الأبرص ، ديوانه : ٢٨ ، وهو من شواهد الباقلاني في إعجاز القرآن : ١٠٦.
(٥) البيت غير موجود في ديوانه المطبوع ، وهو في النوادر : ٢٦٨ ، منسوبا إلى عمرو بن ملقط.