وقيل (١) ؛ إن (مِثْلَ ما) حال من مضمر في (حق) ؛ لأنه وإن كان مصدرا فهو في موضع اسم الفاعل ، واسم الفاعل يتضمن الضمير ، نحو قولك ؛ هذا زيد قائم ، ففي (قائم) ضمير ، ألا ترى أنك لو أجريت (قائما) على غير من هو له لأظهرت الضمير ؛ فقلت : هذا زيد قائما أبوه ، وقائم أبوه ، إن شئت ، ف (الهاء) في (أبوه) هو الضمير الذي كان في (قائم) ، ولم يبق في (قائم) ضمير.
والوجه الثالث : أنه منصوب على المصدر ، كأنه قيل ؛ إنّه لحق حقا كنطقكم ، وهو قول الفراء (٢) ، وزعم أن العرب تنصبها إذا رفع بها اسم ، فيقولون ؛ مثل من عبد الله ويقولون : عبد الله مثلك ، وأنت مثله ، وعلة النصب فيها ؛ أن الكاف قد تكون داخلة عليها فتنصب إذا ألقيت الكاف ، قال ؛ فإن قال قائل ؛ أفيجوز أن نقول : زيد الأسد شدة ، فتنصب (الأسد) إذا ألقيت الكاف؟ قلت : لا ، وذلك أن (مثل) تؤدي عن الكاف والأسد ، ولا يؤدي عنها ، ألا ترى قول الشاعر (٣) :
وزعت بكا لهراوة أعوجيّ |
|
إذا ونت الرّكاب جرى وثابا |
أن الكاف قد أجزأت عن (مثل) ، وأن العرب تجمع بينهما ، فيقولون : زيد كمثلك ، وقال الله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] ، قال (٤) : واجتماعهما دليل على أن معناهما واحد.
وهذا لا يجوز عند البصريين (٥) ، و (الكاف) هاهنا زائدة ، وإنما لم يجز عندهم ؛ لأنه لا ناصب هنا لك وإنما ينصب الاسم إذا حذف منه حرف الجر إذا كان قبله فعل ينصبه ، نحو قولك : أمرتك الخير ، أنت تريد : أمرتك بالخير ، وأنت إذا قلت : إنه لحق كمثل ما أنكم تنطقون ، فحذفت الكاف لم يبق ما ينصب (مثل) ؛ لأنه فعل هنا لك ، وإنّما قبله (حق) وهو مصدر ، والمصدر لا يعمل في المصدر إلا أن يضمر له فعل تقديره : إنّه لحق يحق حقا مثل نطقكم ، ثم حذفت الفعل والمصدر جميعا وأقمت نعت المصدر مقامه ، فهذا يجوز على هذا التقدير.
__________________
(١) ذهب إلى هذا القول أبو نصر القرطبي في شرح عيون الكتاب : ١٩١ ـ ١٩٢.
(٢) معاني القرآن للفراء : ٣ / ٨٥.
(٣) البيت لربيعة بن مقروم الضبي ، كما في الصحاح : ٥ / ١٧٤١ (شمعل) ، والسان : ١ / ٣٧٢ (شمعل) ، ورواية اللسان : (إذا ونت المطي) بدلا من : (إذا ونت الركاب).
(٤) أي : الفراء ؛ لأن هذا كله نقلا عنه.
(٥) ينظر البغداديات : ٣٣٤.