والوجه الثاني : أن يكون (قَلِيلاً) خبرا لكانوا ، والمعنى : كان هؤلاء قليلا ، ثم قال : من الليل ما يهجعون ، أي : ما يهجعون شيئا من الليل (١).
فعلى الوجه الأول يهجعون هجوعا قليلا ، وعلى القول الثاني لا يهجعون البتة.
والهجوع : النوم (٢) ، وهو قول ابن عباس وإبراهيم الضحّاك ، والأول قول الحسن والزّهري. و (ما) في القول الأول صلة ، وفي القول الثاني نافية ، وقيل (٣) (ما) مصدرية ، والتقدير ؛ كانوا قليلا هجوعهم ، وقدّر بعضهم (٤) (قَلِيلاً) نعتا لظرف محذوف ، أي : كانوا وقتا قليلا يهجعون ، وكلّ محتمل ، قال قتادة : لا ينامون عن العتمة ينتظرونها لوقتها (٥) ؛ كأنه عدّ هجوعهم قليلا في جانب يقظتهم للصلاة ، ولا يجوز أن تجعل (ما) نفيا وينصب بها (قَلِيلاً ؛) لأن ما بعد النفي لا يعمل فيما قبله.
قوله تعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذاريات : ٢٢ ـ ٢٣].
قال الضحّاك : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ ،) أي : المطر (٦) ، لأنه سبب الخير ، قال مجاهد : (وَما تُوعَدُونَ) من خير أو شر ، وقيل : ما توعدون ؛ الجنة ؛ لأنها في السماء (٧) قال الفراء (٨) ؛ أقسم بنفسه إن الذي قال لكم حق مثل ما إنكم تنطقون ، قال : وقد يقول القائل كيف اجتمع (ما) و (أن) وقد يكتفى بإحداهما من الأخرى؟ وفي هذا وجهان :
أحدهما : أن العرب تجمع (٩) ، بين الشيئين من الأسماء والأدوات [٩٢ / و] إذا اختلف لفظهما ، في الأسماء ، قال الشاعر (١٠) :
__________________
(١) ينظر بحر العلوم : ٣ / ٢٧٦.
(٢) أحكام القرآن : ٣ / ٥٤٦ ، واللسان : ٨ / ٣٧٨ (هجع).
(٣) هذا قول الفراء في معاني القرآن : ٣ / ٨٤ ، والقول الثاني للزجاج في معاني القرآن وإعرابه : ٥ / ٤٤.
(٤) هذا قول مكي في مشكل إعراب القرآن : ٢ / ٦٨٦.
(٥) أحكام القرآن : ٣ / ٥٤٦.
(٦) جامع البيان : ٢٦ / ٢٦٥.
(٧) تفسير مجاهد : ٢ / ٦١٨ ، وجامع البيان : ٢٦ / ٢٦٦.
(٨) ينظر معاني القرآن للفراء : ٣ / ٨٤.
(٩) ينظر الخصائص : ١ / ١١٠ ، ٣ / ١٠٨.
(١٠) البيت لأبي الربيس عبادة بن طهية الثعلبي ، كما في تاريخ دمشق : ٣١ / ٢٩٦ ، وهو من شواهد الفراء في معاني القرآن : ٣ / ٨٤ ، بلا نسبة.