والجواب الرابع : أنه ثنى ؛ لأن إلقاءه في النار لشدته بمنزلة إلقاء اثنين للواحد.
والجواب الخامس : أنه يريد (النّون الخفيفة) كأنه قال : ألقين ، فأجرى الوصل مجرى الوقف ، فأبدل من النّون ألفا (١).
كما قال (٢) :
وذا النصب المنصوب لا تنسكنّه |
|
ولا تعبد الأوثان والله فاعبدا |
وعليه تأوّل بعضهم قول امرئ القيس (٣) :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
من قال : أراد (قفن) ؛ لأنه يخاطب واحدا بدلالة قوله في آخر القصيدة :
أحار ترى برقا أريك وميضه |
|
كلمع اليدين في حبيّ مكلّل (*). |
وهذا الجواب أضعف الأجوبة ؛ لأنه محال أن يوصل الكلام والنية فيه الوقف.
قوله تعالى : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) [ق : ٣٠].
قال أنس : طلبت الزيادة ، وقال مجاهد : المعنى معنى الكفاية (٤) ، أي : لم يبق مزيد لامتلائها ، ويدل على هذا القول : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [هود : ١١٩] ، ولا يمتنع القول الأول لوجهين :
أحدهما : أن هذا القول كان منها قبل دخول جميع أهل النار فيها.
والآخر : أن تكون طلبت الزيادة على أن يزاد في سعتها ، ومثله حمل بعضهم قول النبي صلىاللهعليهوسلم يوم فتح مكة ألا تترك دارك فقال : (وهل ترك لنا عقيل من دار) (٥) ؛ لأنه كان قد باع دور بني هاشم [٩١ / ظ] لما خرجوا إلى المدينة. فعلى هذا يكون على المعنى الأول أي : وهل بقي زيادة ، وجاء في التفسير : أن الله تعالى يخلق لجهنم آلة الكلام فتكلم (٦) ، وقال
__________________
(١) هذا رأي ابن جني في سر صناعة الإعراب : ٢ / ٦٧٨ ، وابن الشجري في أماليه : ٢ / ٦٧٨.
(٢) البيت للأعشى ، ديوانه : ١٣٧ ، وهو من شواهد سيبويه في الكتاب : ٢ / ١٤٩ ، وابن جني في سر صناعة الإعراب : ٢ / ٦٧٨ ، والصيمري في التبصرة : ١ / ٤٣٣.
(٣) في شرح ديوانه : ٢٩ ، هذا صدر البيت ، وعجزه : (بسقط اللوى بين الدخول فحومل).
(*) في شرح ديوانه : ٣٩.
(٤) القولان في مجمع البيان : ٩ / ٢٤٥.
(٥) المغني لابن قدامة : ٧ / ١٦٧ ، والمجموع في شرح المهذب : ٩ / ٢٥٠.
(٦) مجمع البيان : ٩ / ٢٤٥.