فقلت لصاحبي لا تحبسانا |
|
بنزع أصوله واجتزّ شيحا (١) |
ولم يقل : لا تحبسنا ، قال وأنشدني أبو ثروان (٢) :
وإن تزجراني يا ابن عفّان أنزجر |
|
وإن تدعاني أحم عرضا ممنّعا |
قال : ونرى ذلك منهم أن أدنى أعوان الرجل في إبله وغنمه اثنان ، وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة ، فجرى كلام الواحد على صاحبيه ، ألا ترى أنّ الشعراء أكثر شيء قيلا : يا صاحبيّ ويا خليليّ ، قال امرؤ القيس (٣) :
خليليّ مرّا بي على أمّ جندب |
|
نقضّ لبانات الفؤاد المعذّب |
ثم قال :
ألم ترياني كلّما جئت طارقا |
|
وجدت بها طيبا وإن لم تطيّب |
فرجع إلى الواحد ؛ لأن أقل الكلام واحد في لفظ الاثنين ، وأنشد أيضا :
خليليّ قوما في عطالة فانظرا |
|
أثارا ترى من نحو بابين أو برقا (٤) |
ولم يقل : تريا ، فهذا وجه.
والجواب الثاني : أنه ثنى ليدل التكرير ، كأنه قال : الق الق ، فثنى الضمير ليدل على تكرير الفعل (٥) ، وهذا لشدة ارتباط الفاعل بالفعل ، حتى صار إذا كرّر أحدهما فكأن الثاني كرّر؟ ، وهذا قول المازني (٦) ، ومثله عنده : (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) [المؤمنون : ٩٩] ، جمع ليدل على التكرير ، كأنه قال : ارجعن ارجعن ارجعن (٧). وقد شرحناه.
والثالث : أن الأمر تناول السائق والشهيد ، كأنه قال : يا أيها السائق ويا أيها الشهيد ألقيا في جهنم (٨).
__________________
(١) البيت ليزيد بن الطثرية كما في الصحاح : ٣ / ٨٦٨ (حزّ) وتاج العروس : ٤ / ١٥.
(٢) هو : أبو ثروان سويد بن كراع ، من (عكل) جاهلي إسلامي. ينظر ترجمته في الشعر والشعراء : ٢٧ ، والبيت من شواهد الفراء في معاني القرآن : ٣ / ٧٨ ، وابن فارس في الصاحبي : ٣٦٣ ، والماوردي في النكت والعيون : ٥ / ٣٥٠.
(٣) في شرح ديوانه : ٥٣ ، وهو من شواهد الفراء في معاني القرآن : ٣ / ٧٩ ، والنحاس في إعراب القرآن : ٣ / ٢٢٠.
(٤) لم أقف على قائله ، وهو من شواهد الفراء في معاني القرآن : ٣ / ٧٩ ، والطبري في جامع البيان : ٢٦ / ٢١٣.
(٥) نسب هذا الرأي الزجاج إلى المبرد في معاني القرآن وإعرابه : ٥ / ٣٨.
(٦) إعراب القرآن للنحاس : ٣ / ٢٢١ ، وسر صناعة الإعراب : ١ / ٢٢٥ ، والمقتصد : ٢ / ١٠١٩.
(٧) ينظر مشكل إعراب القرآن : ٢ / ٦٨٤.
(٨) معاني القرآن وإعرابه : ٥ / ٣٧.