والثاني : أن المعنى ؛ طيبها لهم بضروب الملاذ من (العرف) والعرف : الرائحة الطيبة التي تتقبلها النفس تقبل ما تعرفه ولا تنكره (١).
وقيل : طبقات الجنة أربع (٢) : طبقة نعيم وهي أعلاها ، وهي طبقة النبيين. ثم طبقة نعيم للمؤمنين المجازين بأعمالهم ، ثم طبقة نعيم للمعوضين من غيرهم ، ثم طبقة نعيم للمفتدين بالتفضل عليهم. وللطبقات تفاوت ، والمراتب لا تتفاوت ، كما قال تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ) [الحديد : ١٠] ، وقال : (أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) [الحديد : ١٠].
قوله تعالى : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ) [محمد : ١٨].
يسأل عن موضع (ذِكْراهُمْ) من الإعراب؟
والجواب : أن موضعها رفع (٣) ، والتقدير : فأنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة (٤).
وأنّى : بمعنى : (من أين لهم) ومثل (٥) : (فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ) قوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى ،) أي ليس ينفعه ذكره ولا ندامته.
قوله تعالى : (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) [محمد : ٢١].
يسأل عن معنى قوله تعالى : (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ ،) وبم ارتفع؟ وفيه وجهان :
أحدهما : أن يكون المعنى : قولوا أمرنا طاعة وقول معروف ، قال مجاهد : أمر الله تعالى بذلك المنافقين ، وقال غيره : هو حكاية عنهم يقولون : طاعة وقول معروف قبل فرض الجهاد (٦) ؛ لأنّ نقيضه قوله : (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) [محمد : ٢١].
والثاني : أن المعنى طاعة وقول معروف أمثل (٧) ، وأليق من أحوال هؤلاء المنافقين.
__________________
(١) ينظر النكت والعيون : ٥ / ٢٩٤ ، ومعالم التنزيل : ٧ / ٢٨٠.
(٢) ينظر معاني القرآن للنحاس : ٦ / ٤٦٦ ـ ٤٦٧.
(٣) هذا قول الفراء في معاني القرآن : ٣ / ٦١ ، ومكي في مشكل إعراب القرآن : ٢ / ٦٧٣.
(٤) هذا تقدير الفراء في معاني القرآن : ٣ / ٦١ ، والأخفش في معاني القرآن : ٢ / ٤٨٠.
(٥) ينظر بحر العلوم : ٣ / ٢٤٣.
(٦) ينظر تفسير مجاهد : ٢ / ٥٩٩ ، وجامع البيان : ٢٦ / ٧١.
(٧) هذا قول سيبويه في الكتاب : ١ / ٢٨٢.