أحدها : أنه من العبادة كأنه قال : فأنا أول من يعبده على أن لا ولد له ؛ لأن من جعل له ولدا لم يعبده حق العبادة ، هذا قول المبرد (١).
والثاني : أن (عابدين) هاهنا بمعنى (جاحدين) (٢) ، والمعنى : أنه لا ولد له على الحقيقة ، وإذا كان كذلك وجب أن يجحد ادعاء من ادعاه وينكر ولا يعتقد.
والثالث : أن معنى عابدين هاهنا بمعنى الآنفين (٣) ، يقال عبدت من كذا أعبد عبدا.
قال الشاعر :
ألا هزئت أمّ الوليد وأصبحت |
|
لما أبصرت في الرّأس منّي تعبد (٤) |
وقال الفرزدق (٥) :
أولئك قومي إن هجوني هجوتهم |
|
وأعبد أن يهجا كليب بدارم |
قال مجاهد المعنى : قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين لله في تكذيبكم (٦) ، وقال عبد الرحمن بن زيد وقتادة المعنى : قل ما كان للرحمن ولد (٧) ، وروي عن ابن عباس فيما روى السّدي أن المعنى : قل لو كان للرحمن ولد لكنت أول من عبده بأن له ولدا ، ولكن لا ولد له (٨).
والرحمن : اسم ممنوع ، ومعنى ممنوع : أنه لا يسمى به غير الله تعالى (٩) ، وقيل : إن الجاهلية لم تكن تعرفه ، فلما نزل قالوا : لا نعرف هذا الاسم ، وقيل : إنه لما نزل قالوا : لا نعرف (الرّحمن) إلا هذا الذي باليمامة ، وقد جاء في الشعر الجاهلي ، قال الشاعر وهو
__________________
(١) لم أقف على قوله هذا في كتبه. ينظر مجمع البيان : ٩ / ٩٧.
(٢) هذا قول الأخفش في معاني القرآن : ١ / ١١١ ، والنحاس في معاني القرآن : ٦ / ٣٨٩.
(٣) روى هذا القول الماوردي في النكت والعيون : ٥ / ٢٤١ ، ونسبه إلى الكسائي وابن قتيبة.
(٤) لم أقف على قائله ، وهو من شواهد الطبري في جامع البيان : ٢٥ / ٢٣١ ، والطوسي في التبيان في تفسير القرآن : ٩ / ٢١٩.
(٥) غير موجود في ديوانه المطبوع ، وهو من شواهد القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ١٦ / ١٢٠ ، والشوكاني في فتح القدير : ٤ / ٥٦٦.
(٦) تفسير مجاهد : ٢ / ٥٨٤ ، وأيده النحاس في معاني القرآن : ٦ / ٣٨٧.
(٧) جامع البيان : ٢٥ / ١٣٠.
(٨) المصدر السابق : ٢٥ / ١٣١ ، والجامع لأحكام القرآن : ١٦ / ١١٩.
(٩) ينظر تفسير أسماء الله الحسنى : ٢٨ ، والمبسوط : ٨ / ١٣٢.