ينذر آباؤهم ، على جحد (١) ؛ لأن عرب الجاهلية لم يكن فيهم نبي قبل محمد عليهالسلام (٢) ، وهذا التأويل إنما يصح إذا كان (القوم) هاهنا يعنى بهم العرب المضرية والعدنانية ، فأما القحطانية فقد كان فيهم هود وصالح وشعيب عليهالسلام ، ومبعد أيضا من قبل أن قيسا بعث فيهم خالد بن سنان ، وهو الذي أطفأ نار الجمرة التي كانت ببلاد قيس ، وروي أن بنته وفدت على النبي صلىاللهعليهوسلم فأكرمها ، وقال : (هذه بنت نبي ضيعه قومه) (٣) ، وقال عكرمة المعنى : لتنذر قوما كالذي أنذر آباؤهم (٤) ، فعلى هذا يكون الإنذار لجميع الناس ، وتحتمل (قَوْماً) على هذا الوجه أن تكون بمعنى (الذي) (٥) ، فيكون التقدير : لتنذر قوما كالذي أنذر آباؤهم.
وتحتمل أن تكون مصدرية والتقدير : لتنذر قوما كإنذار آبائهم.
قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) [يس : ١٢]
قال قتادة ومجاهد في قوله : (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا) أي : أعمالهم ، وقال مجاهد :
(وَآثارَهُمْ) خطاهم إلى المساجد (٦) قال غيره : (وَآثارَهُمْ) ما أثروا من الآثار الصالحة أو غير الصالحة ، فعمل بها فلهم أجر من عمل بها بعدهم ، أو وزره وهو قول الفراء (٧).
و (الإمام) هاهنا الكتاب الذي تثبته الملائكة عليهمالسلام ، وتكتب فيه أعمال العباد (٨).
وأجمع القراء على النصب في قوله : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ) على إضمار فعل ، والمعنى : أحصينا كل شيء أحصيناه (٩) ، قال الفراء (١٠) : والرفع وجه جيد ، قد سمعت ذلك من العرب.
__________________
(١) هذا رأي الفراء في معاني القرآن : ٢ / ٢٧٢ ، والأخفش في معاني القرآن : ٢ / ٤٤٩.
(٢) نبه لذلك الفارسي في البغداديات : ٣٥٥ ، ومكي في مشكل إعراب القرآن : ٢ / ٥٩٩.
(٣) ينظر السيرة النبوية لابن كثير : ١ / ١٠٤.
(٤) ينظر إعراب القرآن للنحاس : ٢ / ٧٠٩ ، ومشكل إعراب القرآن : ٢ / ٥٩٩.
(٥) ينظر معالم التنزيل : ٧ / ٨.
(٦) تفسير مجاهد : ٢ / ٥٣٤ ، وجامع البيان : ٢٢ / ١٨٤ ، والنكت والعيون : ٥ / ٩.
(٧) معاني القرآن للفراء : ٢ / ٣٧٣.
(٨) ينظر النكت والعيون : ٥٩.
(٩) مشكل إعراب القرآن : ٢ / ٦٠٠.
(١٠) معاني القرآن للفراء : ٢ / ٣٧٣.