وأجمع القراء على رفع (العلماء) ونصب (اسم الله تعالى) ، وهو الصواب الذي لا معدل عنه ، إلا أن طلحة بن مصرف قرأ كذلك (١) : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨] ، فرفع (اسم الله تعالى) ونصب «العلماء» ، ويروى مثل ذلك عن أبي حنيفة ، وأكثر أهل العلم يذهب إلى أنه لحن ، وقد اعتذر بعضهم لهذا بأن قال : هو على القلب ، كما تقول : تهيبني الفلاة ، في معنى تهيبت الفلاة ، وكما قال الشاعر (٢) :
غداة أحلّت لابن أصرم طعنة |
|
حصين عبيطات السّدائف والخمر |
فنصب (الطعنة) وهي فاعلة ، ورفع (العبيطات) وهي مفعولة ، والمعنى : أن الطعنة التي طعنها أحلت له العبيطات ؛ لأنه نذر أن لا يأكل عبيطا من اللحم ولا يشرب خمرا حتى يقتل فلانا ويأخذ بثأره ، فلما قتله أحل له ذلك القتل ما كان حرّم ، ومثله قول امرئ القيس (٣) :
حلّت لي الخمر وكنت امرءا |
|
عن شربها في شغل شاغل |
وقال قوم : (يَخْشَى) هاهنا بمعنى يراعي ، والتقدير : إنما يراعي [٧٨ / و] الله من عباده العلماء ، لأنهم هم المخاطبون الذين يفهمون ما يخاطبهم به ، ومن سواهم تبع لهم ، ومثل ذلك قولهم : ما تركت ذلك إلا خشيتك ، أي : مراعاة لك.
وقيل : (يَخْشَى) بمعنى : يعلم ، والمعنى : كذلك يعلم الله من عباده العلماء ، وهذه التأويلات بعيدة (٤).
ومن سورة يس
قوله تعالى : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ) [يس : ٦].
الإنذار : التخويف (٥) ، و (اللام) في (لِتُنْذِرَ) لام كي ، قال قتادة المعنى لتنذر قوما لم
__________________
(١) من أهل همدان ، يكنى أبا عبد الله ، (ت ١١٢ ه). ينظر الفهرست : ٣٣ ، وتقريب التهذيب : ١ / ٤٥٢. وينظر القراءة في التبيان في إعراب القرآن : ٢ / ١٠٧٥.
(٢) هو الفرزدق في ديوانه : ١ / ٢٥٤ ، وهو من شواهد المبرد في الكامل : ١ / ٤٧٦ ، والزجاجي في الجمل : ٢٠٤. عبيطات ، جمع عبيطة : وهي الناقة السمينة التي تذبح وليس بها علة. وسدائف جمع سديفه : وهي شحم السنام ، ينظر العين : ٧ / ٢٣٠ (سدف) ، والصحاح : ٣ / ١١٤٢ (عبط).
(٣) في شرح ديوانه : ٩٦ ، وهو من شواهد المرتضى في أماليه : ٢ / ١٠٦.
(٤) ينظر بحر العلوم : ٣ / ٨٥ ، والمقتصد : ١ / ٣٣١.
(٥) الصحاح : ٢ / ٨٢٥ (نذر).