آية أخرى : (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) [الأنعام : ١٤٨] ، فقامت (لا) مقام التوكيد ، وقد جاء العطف من غير توكيد ولا فصل في نحو قول عمر بن أبي ربيعة :
قلت إذ أقبلت وزهر تهادى |
|
كنعاج الملا تعسّفن رملا (١) |
وهو قبيح ، وكان حقه أن يقول : هي وزهر.
قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) [سبأ : ١٥ ـ ١٦].
قال الزجاج : (سبأ) مدينة بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام (٢).
قال غيره : هي قبيلة ، وقيل : (سبأ) رجل ، وهو أبو اليمن ، وللعرب فيها مذهبان (٣) :
منهم من يصرفها ، يجعلها اسما للحي ، أو اسما لمكان ، أو لأب : قال جرير (٤) :
تدعوك تيم في قرى سبأ |
|
فدع أعناقهم جلد الجواميس |
ومنهم من لا يصرفها ، يجعلها اسما لقبيلة أو لمدينة أو لبقعة أو لأم ، قال الشاعر (٥) :
من سبأ الحاضرين مأرب إذ |
|
يبنون من دون سيله العرما |
والعرم : المسنّاة ، واحدها (عرمة) وكأنه مأخوذ من (عرامة) الماء ، ويقال أيضا (محبس الماء) (٦) ، قال الأعشى (٧) في العرم : [٧٥ / ظ]
ففي ذاك للمؤتسي أسوة |
|
ومأرب قفّى عليها العرم |
__________________
(١) سبق تخريجه.
(٢) ينظر معاني القرآن وإعرابه : ٤ / ١٨٧ ، ومعجم البلدان : ٣ / ١٨١.
(٣) أشار إليهما : سيبويه في الكتاب : ٢ / ٢٨ ، والفراء في معاني القرآن : ٢ / ٢٨٩ ، وأبو عبيدة في مجاز القرآن : ٢ / ١٤٦ ، والزجاج فيما ينصرف وما لا ينصرف : ٥٩ ، وابن السراج في الأصول : ٢ / ٩٦ ، وابن الأنباري في المذكر والمؤنث : ٢ / ١٣٨.
(٤) ديوانه : ١٧٢.
(٥) وهو : النابغة الجعدي ، ديوانه : ١٣٤ ، وهو من شواهد سيبويه في الكتاب : ٢ / ٢٨ ، وأبي عبيدة في مجاز القرآن : ٢ / ١٧٢.
(٦) ينظر مجاز القرآن : ٢ / ١٤٦ ، والصحاح : ٥ / ١٩٨٣ (عرم).
(٧) ديوانه : ١٧٢ ، وهو من شواهد الطبري في جامع البيان : ٢٢ / ٩٦.