والجواب : أنهما قطعتا من الإضافة ، وتضمنتا معناها ، فصارتا كبعض الاسم وبعض الاسم لا يعرب فوجب البناء لأنّه ليس بعد الإعراب إلّا البناء ، وحرّكتا لالتقاء الساكنين (١).
فأمّا الضم ففيه أربعة أقوال :
أحدها : أنهما لمّا قطعتا من الإضافة جعلتا غايتين فأعطيتا غاية الحركات وهي الضمة (٢).
والثاني : أنّه لمّا كان لهما في الأصل تمكن بنيا على الضم إشعارا بذلك ، كما فعلوا بالمنادى. ألا ترى أنهما يعربان إذا أضيفتا أو نكّرتا كما يفعل بالمنادى (٣).
والثالث : أنّ الضم لا يدخلها في حال الإعراب ، وإنّما يدخلهما الفتح والكسر في النصب والجر فلمّا بنوهما [٧٢ / ظ] أعطوهما حركة لا تكون لهما في حال تمكنهما (٤).
والرابع : أنّهما لمّا قطعتا من الإضافة ضعفتا فقوّيتا بالضّمة.
فهذه أربعة أقوال للبصريين. فأمّا الكوفيون فلهم قولان :
أحدهما : أنّهما لمّا تضمنتا معناهما في أنفسهما ومعنى المضاف إليه قوّيتا بالضمة ، وهذا قول الفراء وقد طرده في أشياء : من ذلك أنه قال ضم أول فعل ما لم يسم فاعله ؛ لأنّه يدل على نفسه وعلى الفاعل وضم (منذ) لأنّه يدل على معنى (من وإلى) لأنّك إذا قلت : ما رأيته منذ يومين ، فمعناه : ما رأيت من أول اليومين إلى آخرهما ، وكذلك (نحن) ضم لأنّه يقع على التثنية والجمع (٥).
والقول الثاني : أنّهما لو فتحتا لأشبهتا حالهما متمكنتين ، ولو كسرتا لأشبهت المضاف إلى المتكلم فأمّا السكون فلا سبيل إليه ؛ لأنّ ما قبلهما ساكن ، فلم يبق إلّا الضّم فأعطيتاه ، وهذا قول هشام (٦).
__________________
(١) ينظر معاني القرآن للأخفش : ١ / ١٠ ، ما ينصرف وما لا ينصرف : ٨٩ ، وشرح السيرافي : ١ / ١٣٣ ، والخصائص : ٢ / ٣٦٣ ، ومشكل إعراب القرآن : ٥٥٩.
(٢) مشكل إعراب القرآن : ٢ / ٥٥٩.
(٣) هذا رأي الخليل وسيبويه في الكتاب : ١ / ٣١١ ، و ٢ / ٤٤ ، ووافقهما الأخفش في معاني القرآن : ٢ / ٤٣٧ ، والمبرد في المقتضب : ٢ / ١٨٠.
(٤) هذا قول الزجاج في معاني القرآن وإعرابه : ٤ / ١٣٤ ، والنحاس في إعراب القرآن : ٢ / ٥٨١.
(٥) ينظر معاني القرآن للفراء : ٢ / ٣١٩ ـ ٣٢٢.
(٦) ونسب هذا القول أيضا مكي بن أبي طالب إلى هشام في مشكل إعراب القرآن : ٢ / ٥٥٩.