ومن سورة الرّوم
قوله تعالى : (الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) [الروم : ٤].
البضع : ما بين الثلاثة إلى العشرة ، وقيل : ما بين الثلاثة إلى نصف العقد ، وقيل : ما بين الثلاثة إلى السبعة ، وقيل : ما بين الثلاثة إلى التسعة ، والقول الأول جاء في خبر مرفوع (١) ، وما سوى ذلك أقوال أهل اللغة (٢).
أجمع القراء على ضم (الغين) من (غُلِبَتِ الرُّومُ ،) وروي عن أبي عمرو أنه قرأ (الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ) جعلهم فاعلين ، فقيل له : علام غلبوا؟ فقال : على أدنى ريف الشّام (٣). وجاء في التفسير : أن فارس ظفرت بالروم ، فحزن لذلك المسلمون ، وفرح به مشركو أهل مكة ؛ لأنّ أهل فارس ليسوا أهل كتاب ، وكانوا يعبدون الأوثان (ففرح المشركون بغلبتهم) ومال المسلمون إلى الروم ؛ لأنّهم أهل كتاب ، وكان لهم نبي ، قالوا :
ويدل على ذلك قوله : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ).
ثم قال : (وَيَوْمَئِذٍ ،) أي : يوم يغلبون ، يعني : الروم (يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) إذا غلبوا ، وقد كان ذلك كله ، ويروى أن فارس غلبت على أطراف الشام من بلاد الروم ، ثم بعد سنتين وأشهر غلبت الروم فارس ، واستنقذت ما أخذت فارس من بلاد الشام ، ففرح المسلمون بذلك لأمرين :
أحدهما : ميلهم إلى الروم.
والثاني : ظهور ما أخبرهم النبي صلىاللهعليهوسلم أنه يقع في ذلك الوقت (٤).
وممّا يسأل عنه أن يقال : لم بنيت (مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ؟)
__________________
(١) المشهور أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لأبي بكر رضي الله عنه : (البضع ما بين الثلاث إلى التسع). ينظر جامع البيان : ٢١ / ٢٣ والمعجم الأوسط : ٧ / ٢٠٠ ، والجامع الصغير : ١ / ٤٩٤.
(٢) ينظر العين : ١ / ٢٨٦ (بضع) ، والصحاح : ٣ / ١١٨٦ (بضع).
(٣) معاني القرآن للفراء : ٢ / ٣١٩.
(٤) ينظر تأويل مشكل القرآن : ٤٢٤ ، وجامع البيان : ٢١ / ٢٠ ـ ٢٢ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٥ / ٢٤٢ ـ ٢٤٣.