روى الفراء (١) عن الكسائي عن عيسى الهمداني (٢) قال :
لم أسمع المشيخة يقرؤونها إلّا بالتخفيف على نيّة الأمر ، قال : وهي حرف عبد الله بن مسعود «هلّا تسجدون» بالتاء ، [٦٩ / و] فهذا تقوية لقوله : (ألا يا) ؛ لأنّ قولك : (ألا) تقوم بمنزلة قولك : قم ، وفي حرف أبي «ألا تسجدون» ، قال : وهو وجه الكلام ؛ لأنّها سجدة.
ومن قرأ (أَلَّا يَسْجُدُوا) فشدد ، فلا ينبغي لها أن تكون سجدة ؛ لأنّ المعنى : وزين لهم الشيطان ألا يسجدوا ، فعلى هذا القول يكون موضع (أن) نصبا على البدل من (أَعْمالَهُمْ).
وقال علي بن عيسى المعنى : وزين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا.
وقيل موضع (أن) جر على البدل من (السَّبِيلِ ،) كأنه قال : فصدّهم عن أن يسجدوا ، و (لا) على هذا الوجه زائدة (٣).
قوله تعالى : (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) [النمل : ٢٩]
يسأل عن معنى قوله : (كَرِيمٌ؟)
وفيه أجوبة :
أحدها : أنّه مختوم وذلك لكرمه.
والثاني : أنّه جعلته كريما لكرم صاحبه ، فإنه من عند ملك :
والثالث : أنّه حقيق بأن يؤمّل الخير العظيم من جهته.
والرابع : أنّ الطير حملته وذلك لكرمه.
والخامس : أنّه جعلته كريما من قبل أن صاحبه يعطيه الجن والإنس.
وقيل : أنّها قالت كريم قبل أن تعلم أنه من سليمان (٤) ، قال الفراء (٥) : ولا يعجبني ذلك ؛ لأنهم زعموا أنها كانت قارئة قد قرأت الكتاب قبل أن تخرج إلى ملئها.
__________________
(١) معاني القرآن للفراء : ٢ / ٢٩٠ ، وينظر فتح القدير : ٤ / ١٣٣.
(٢) هو عيسى بن عمر الهمداني ، القارئ ، أبو عمرو الكوفي (ت ١٥٣ ه ، وقيل ١٥٦ ه) ينظر الثقات : ٧ / ٢٣٣ ، وتهذيب الكمال : ٢٣ / ١٢ ـ ١٣.
(٣) ينظر مشكل إعراب القرآن : ٢ / ٥٣٣.
(٤) ينظر تأويل مشكل القرآن : ٥٩٤ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٥ / ١٢٨ ـ ١٢٩ ، والنكت والعيون : ٤ / ٢٠٦ ، ومعالم التنزيل : ٦ / ١٥٩.
(٥) معاني القرآن للفراء : ٢ / ٢٩١.