الدليل من هذه الآية : أنّ (أَنَا) من ضمائر الرفع ، وقد عطفه على (أَذانٌ) على مذهب من جعلها في موضع نصب.
ونصب (أُمَّةً واحِدَةً) على الحال (١) ، والكوفيون يسمون الحال (قطعا) (٢) ، وربما قالوا : نصب على الاستثناء.
واختلف في الأمة هاهنا (٣) :
فقيل : الأمة الملّة ، وهو قول الحسن وابن جريج ، أي : دينكم دين واحد ، والأمة قد تقع على الدين ، نحو قوله : (وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) [الزخرف : ٢٢] أي : على دين.
قال النابغة (٤) :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة |
|
وهل يأثمن ذو أمّة وهو طائع |
وقيل : الأمة هاهنا الجماعة ، والمعنى : جماعتكم جماعة واحدة في الشريعة ، والجماعة تسمى أمة. نحو قوله تعالى : (وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) [القصص : ٢٣].
والأمة في غير هذا المكان : الحين ، ومنه : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) [يوسف : ٤٥].
والأمة : الرجل العالم المنفرد ، نحو قوله : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) [النحل : ١٢٠].
والأمة : القرن من الناس وغيرهم ، نحو قوله تعالى : (أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) [الأنعام : ٣٨].
والأمة : القامة ، نحو قول الشاعر (٥) :
وإنّ معاوية الأكرمين |
|
حسان الوجوه طوال الأمم |
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ) [المؤمنون : ٧٦].
__________________
(١) إعراب القرآن للنحاس : ٢ / ٤٢١.
(٢) ينظر معاني القرآن للفراء : ١ / ٧.
(٣) ينظر المسألة مفصلة في : الوجوه والنظائر في القرآن الكريم : ٦٤ ، وإصلاح الوجوه والنظائر : ٤٢.
(٤) ديوانه : ٨١ ، وهو من شواهد الماوردي في النكت والعيون : ٤ / ٥٧ ، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ٨ / ٢٦٦.
(٥) البيت للأعشى ، ديوانه : ١٤٥ ، وهو من شواهد ابن السكيت في الكنز اللغوي : ١٦٤ ، والطبرسي في مجمع البيان : ١ / ٢٧٤ ، وابن منظور في اللسان : ١٣ / ٢٢٤ (سنن).