قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [المؤمنون : ٥١]
الطيبات هاهنا : الحلال ، وقيل : الطيبات ما يستلذّ (١) ، فعلى الوجه الأول يكون أمرا واجبا ، وعلى الثاني يكون أمرا على طريق الإباحة.
والأصل في (كلوا) (أؤكلوا) ، فكره اجتماع همزتين ، فحذفت الثانية استثقالا لها ؛ لأنّ الثّقل بها وقع ، فوليت همزة الوصل متحركا فحذفت للاستغناء عنها.
واختلف في قوله : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ) [المؤمنون : ٥١] :
فقيل : هو خطاب لعيسى عليهالسلام (٢) ، وهو خطاب لواحد ، كما تخاطب الواحد مخاطبة الجمع : نحو قولك للواحد : يا أيها القوم كفوا عنّا أذاكم (٣).
وقيل هو للحكاية لما قيل لجميع الرّسل (٤).
فصل :
وممّا يسأل عنه أن يقال : ما موضع (إِنَ) من قوله : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) [المؤمنون : ٥٢]؟
وفيها جوابان :
أحدهما : أن موضعها نصب ، والتقدير : ولأن هذه أمتكم ، فهي مفعول له (٥).
والثاني : أنّ موضعها [٦٤ / و] جر على العطف على قوله : (بِما تَعْمَلُونَ) [المؤمنون : ٥١](٦).
وفي قوله : (وَأَنَا رَبُّكُمْ) [المؤمنون : ٥٢] تقوية لقول سيبويه في قوله : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) [التوبة : ٣] ، وعطفه على موضع (أَذانٌ)(٧) ، وموضع
__________________
(١) ينظر أحكام القرآن : ٢ / ٣٩٣ ، وزاد المسير : ٥ / ٣٢٥.
(٢) جامع البيان : ١٨ / ٣٨ ، والتبيان في تفسير القرآن : ٧ / ٣٧٤.
(٣) ينظر معاني القرآن للفراء : ٢ / ٢٣٧ ، وتأويل مشكل القرآن : ٢٨٢.
(٤) ينظر معاني القرآن للنحاس : ٤ / ٤٦٥ ، والمفردات في غريب القرآن : ١٩٥.
(٥) هذا قول سيبويه في الكتاب : ١ / ٤٦٤.
(٦) هذا أحد قولين للفراء في معاني القرآن : ٢ / ٢٣٧ ، ونسبه النحاس في إعراب القرآن : ٢ / ٤٢١ ، ومكي في مشكل إعراب القرآن : ٢ / ٥٠٣ إلى الكسائي.
(٧) ينظر الكتاب : ١ / ٢٨٥.