وقيل : الهاء مضمرة بعد (إنّ) ، وفيه أيضا نظر من أجل دخول اللام في الخبر ولأنّ إضمار الهاء بعد (إنّ) المشددة إنّما يأتي في ضرورة (١) الشعر ، نحو قوله :
إنّ من يدخل الكنيسة يوما |
|
يلق فيها جآذرا وظباء (٢) |
وقيل : لمّا كانت (إنّ) مشبهة بالفعل ، وليست بأصل في العمل ألغيت هاهنا ، كما تلغى إذا خففت ، وهذا قول علي بن عيسى الرماني (٣) ، وهو غير صحيح ؛ لأنّها لم تلغ مشددة في غير هذا الموضع ، وأيضا فإنّها قد أعملت مخففة نحو قوله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) [هود : ١١١].
في قراءة من قرأ كذلك (٤) ؛ لأنّها إنما عملت لشبهها بالفعل كما ذكره (٥) والفعل قد يعمل وهو محذوف ، نحو : لم يك زيد قائما ، ولم يخش عبد الله أحدا وما أشبه بذلك ، وقد أعمل اسم الفاعل والمصدر لشبهها بالفعل ، ولا يجوز إلغاؤهما ، وأيضا فإن (اللام) تمنع من هذا التأويل ؛ لأنّ (إن) إذا ألغيت ارتفع ما بعدها بالابتداء و (اللام) لا تدخل على خبر المبتدأ كما قدمناه.
وقيل : (هذانِ) في موضع نصب إلا أنه مبني لأنه حمل على الواحد والجمع وهما مبنيان ، نحو : هذا وهؤلاء (٦) ، وهذا أيضا غير صحيح ؛ لأنّه لا يعرف في غير هذا المكان ؛ ولأنّ التثنية لا تختلف ولا تأتي إلا على طريقة واحدة ، والواحد والجمع يختلفان ، فجاز فيهما البناء ولم يجز في التثنية ؛ لأنّ فيها دليل الإعراب وهو (الألف) ومحال أن تكون الكلمة مبنية معربة في حال.
وقيل : هذه الألف ليست بألف تثنية ، وإنّما هي ألف (هذا) زيدت عليها النون ، وهذا قول الفراء (٧) ، وهو أيضا غير صحيح ؛ لأنّه لا تكون تثنية ولا علم للتثنية فيها ، فإن قيل : النون علم التثنية ، قيل : النون لا يصح أن تكون علم التثنية لأنها لم تأت في غير هذا
__________________
(١) ينظر الجمل للزجاجي : ٢١٥.
(٢) البيت من شواهد الزجاجي في الجمل : ٢١٥ ، وابن الشجري في أماليه : ٢ / ١٩.
(٣) القائل بإلغاء (إنّ) الفارقي في الإفصاح : ٣٠٧ ، أمّا الرماني فقد رجّح أن تكون لغة للحارث بن كعب. ينظر معاني الحروف : ١١١ ، والحجة لابن خالويه : ٢٤٣.
(٤) قرأ بالتخفيف مع الإعمال ابن كثير ونافع ، ينظر : السبعة : ٣٣٩.
(٥) أي الرماني في معاني الحروف : ١١٠.
(٦) نقل هذا القول مكي في مشكل إعراب القرآن : ٢ / ٤٦٧ دون أن يعزوه لأحد ، وأمّا ابن برهان في شرح اللمع : ١ / ٣٢٢ فنسبه إلى أبي علي الفارسي.
(٧) معاني القرآن للفراء : ٢ / ١٨٤.