أنها مخالفة للمصحف (١) ، وقد قرأ بذلك عيسى بن عمر (*) ، واحتجا بأنّه غلط من الكاتب ، وقد روي مثل ذلك عن عائشة رضي الله عنها ، رواه أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، وكان عاصم الجحدري يقرأ كذلك ، فإذا كتب كتب إِن هذانِ (٢) ، واحتجوا له بقول عثمان رضي الله عنه : (أرى في المصحف لحنا ستقيمه العرب بألسنتها) (٣) ، وهذان الخبران لا يصححهما أهل النّظر (٤) ، ولعل أبا عمرو وعيسى بن عمر وعاصما والجحدري ما قرؤوا إلّا ما أخذوه عن الثّقات من السّلف. وأمّا قراءة الجماعة : إِن هذانِ لَساحِرانِ فذهب قوم إلى أنّ (إنّ) بمنزلة (نعم) (٥) ، وأنشدوا : [٥٦ / و]
ولا أقيم بدار الهون إنّ ولا |
|
آتي إلى الغدر أخشى دونه الخمجا (٦) |
وأنشدوا (٧) أيضا :
بكر العواذل في الصّبو |
|
ح يلمنني وألومهنّه |
ويغلن شيب قد علا |
|
ك وقد كبرت فقلت إنّه |
وهذا القول لا يصح عندنا لأمرين :
أحدهما : أنها إذا كانت بمعنى (نعم) ارتفع ما بعدها بالابتداء والخبر ، وقد تقدم أن (اللام) لا تدخل على خبر مبتدأ جاء على أصله (٨).
والثاني : أنّ أبا علي الفارسي (٩) قال : ما قبل (إنّ) لا يقتضي أن يكون جوابه (نعم) ؛ لأنّك إن جعلته جوابا لقوله : (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى) [طه : ٦٢] قالوا : نعم هذان لساحران كان محالا أيضا.
__________________
(١) تأويل مشكل القرآن : ٥١.
(*) الحجة في علل القراءات السبع : ٢٤٣ ـ ٢٤٤.
(٢) مجاز القرآن : ٢ / ٢١ ، وتأويل مشكل القرآن : ٥١.
(٣) معاني القرآن للفراء : ٢ / ١٨٣ ، ومعاني القرآن وإعرابه : ٣ / ٢٩٥.
(٤) منهم الفراء في معاني القرآن : ٢ / ١٨٣.
(٥) ينظر مجاز القرآن : ٢ / ٢١ ـ ٢٢ ، ومعاني القرآن وإعرابه : ٣ / ٢٩٦.
(٦) البيت لساعدة بن جؤية الهذلي كما في الصحاح : ١ / ٣١٢ (خمج).
(٧) القائل هو : ابن قيس الرقيات ، ديوانه : ٦٦ ، وهو من شواهد سيبويه في الكتاب : ١ / ٤٧٥.
(٨) هذا قول الرماني في معاني الحروف : ١١٢.
(٩) ينظر الحجة لأبي علي الفارسي : ٥ / ٢٣٠ ـ ٢٣١.