الموضع كذلك ، ألا ترى أنها تسقط في نحو قولك ؛ غلاما زيد ، فلو كانت علم التثنية لم يجز حذفها ، وإنما النون في قولك (هذان) عوض من الألف المحذوفة هذا قول السيرافي (١) ، وقال أبو الفتح (٢) : هذه النون دخلت في المبهم لشبهه بالتمكن وذلك لأنّه يوصف ويوصف به ويصغر ، فأشبه المتمكن من هذه الطريقة ، [٥٦ / ظ] ألا ترى أنّ المضمر لمّا بعد من المتمكن لم يوصف ولم يوصف به ولم يصغر.
وقال الزجاج : في الكلام حذف ، والتقدير : إنه هذان لهما ساحران (٣) ، فحذف (الهاء) فصار : إن هذان لهما ساحران ، ثم حذف المبتدأ الذي هو (هما) فاتصلت اللام بقوله : (لَساحِرانِ) فصار : إنّ هذان لساحران ، ف (لَساحِرانِ) على هذا القول خبر مبتدأ محذوف وذلك المبتدأ مع خبره خبر عن (هذانِ) و (هذانِ) مع خبره خبر (إنّ) ، وقد ذكرنا ما في حذف (الهاء) من القبح ، وأنه من ضرورة الشعر ، وأما ما ذكره من إضمار المبتدأ تخيلا للام فتعسف لا يعرف له نظير.
وأجود ما قيل في هذا أنها لغة بالحارث بن كعب ؛ لأنّهم يجرون التثنية في الرفع والنّصب والجر مجرى واحدا ، فيقولون : رأيت الزيدان ومررت بالزيدان (٤) ، قال بعض شعرائهم :
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى |
|
مساغا لناباه الشّجاع لصمّما (٥) |
وقال آخر :
تزوّد منّا بين أذناه طعنة |
|
دعته إلى هابي التّراب عقيم (٦) |
وقال آخر (٧) :
__________________
(١) في هامش الكتاب : ١ / ٥.
(٢) سر صناعة الإعراب : ٢ / ٤٦٦.
(٣) نسب هذا القول إلى الزجاج النحاس في إعراب القرآن : ٢ / ٣٤٦.
(٤) ينظر معاني القرآن للفراء : ٢ / ١٨٤ ، ومجاز القرآن : ٢ / ٢١ ، ومعاني القرآن للأخفش : ١ / ١١٣ ، والنوادر لأبي زيد : ٢٥٩ ، وتأويل مشكل القرآن : ٥٠ ، وإعراب القرآن ، للنحاس : ٢ / ٣٦٤.
(٥) البيت للمتلمس الضبعي ، ديوانه : ٣٤ ، والشعر والشعراء : ١٠٥. وهو من شواهد الفراء في معاني القرآن : ٢ / ١٨٤ ، والطبري في جامع البيان : ١٦ / ٢٢٥ بلا عزو.
(٦) استشهد به ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن : ٥٠ ، وابن فارس في الصاحبي : ٢٩ ، والقيرواني في ما يجوز للشاعر في الضرورة : ٣٥٤.
(٧) الرجز لأبي النجم العجلي ، ديوانه : ١٢٧ ، وهو من شواهد الجوهري في الصحاح : ٦ / ٢٢٥٧ (ووه).