وعن هذا جوابان :
أحدهما : أنّ التقدير : ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنة ، على المستعمل ، إلّا أنه وضع الجميع موضع الواحد على الأصل ؛ لأنّ الأصل أن تكون الإضافة إلى الجميع.
قال الشاعر :
ثلاث مئين قد مضين كواملا |
|
وها أنا ذا قد أبتغي من أربع (١) |
فجاء به على الأصل (٢).
والثاني : أن العرب تستغني عن الواحد بالجمع ، وعن الجمع بالواحد (٣) ، فممّا استغني فيه عن الواحد بالجمع قولهم : قدر أعشار ، وثوب أخلاق ، وممّا استغنوا فيه بالواحد عن الجمع قوله :
بها جيف الحسرى فأمّا عظامها |
|
فبيض وأمّا جلدها فصليب (٤) |
[٢٥ / ظ] وقال آخر :
كلوا في بعض بطنكم تعفّوا |
|
فإنّ زمانكم زمن خميص (٥) |
وقال الله تعالى في الاستغناء بالجمع عن الواحد : (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) [هود : ١٤] ، الخطاب : للنبي صلىاللهعليهوسلم ثم قال للكفار : (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) [هود : ١٤] ، يدلّ على ذلك قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [هود : ١٤] ، وممّا جاء من قوله تعالى على الاستغناء بالواحد عن الجمع قوله تعالى : (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) [الحج : ٥] ، وهو كثير.
__________________
(١) البيت لجهمة بن عوف الدوسي ، كما في الإصابة : ١ / ٦٤٠ ، وهو من شواهد المبرد في المقتضب : ٢ / ١٧٠ بلا عزو.
(٢) ينظر معاني القرآن للفراء : ٢ / ١٣٨ ، وإعراب القرآن للنحاس : ٢ / ٢٧٢ ، ومشكل إعراب القرآن : ١ / ٤٤٠.
(٣) يقول سيبويه في الكتاب : ١ / ١٠٧ : (وليس بمستنكر في كلامهم أن يكون اللفظ واحدا والمعنى جميع). وينظر معاني القرآن للفراء : ٢ / ١٠٢ ، ومعاني القرآن للأخفش ، والأصول : ١ / ٣١٣ ، والصاحبي : ٣٤٨ ، والمحتسب : ٢ / ٨٧.
(٤) البيت لعلقمة بن عبده ، كما في جامع البيان : ١٧ / ١٧ ، وزاد المسير : ١ / ٣٤١. يصف طريقا بعيدا شاقا على من سلكه. (جيف الحسرى) : وهو المعيبة من الإبل مستقرة فيه.
وقوله : فأما عظامها فبيض : أي أكلت السباع والطير ما عليها من اللحم فتعرت وبدا وضحها.
وقوله : وأما جلدها ا الخ : أي محرم يائس ؛ لأنه ملقى بالفلاة لم يدبغ.
(٥) البيت من شواهد سيبويه في الكتاب التي لم يعرف لها قائل : ١ / ١٠٨ ، والمبرد في والمقتضب : ٢ / ١٧٢ ، وابن جني في المحتسب : ٢ / ٨٢.