وقيل أمره : القيامة (١) ، فعلى هذا الوجه يكون (أتى) بمعنى (يأتي). وجاز وقوع الماضي هاهنا لصدق المخبر بما أخبر ، فصار بمنزلة ما قد مضى (٢). وقد شرحناه فيما تقدم.
قوله تعالى : (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) [النحل : ٢٦].
يقال : لم قال : (مِنْ فَوْقِهِمْ ،) وقد علم أن السّقف يخرّ من فوقهم؟
وعنه جوابان :
أحدهما : أنّه للتّوكيد ، كما تقول لمن تخاطبه : قلت أنت كذا وكذا (٣).
والثاني : أنّه جاء كذلك ليدلّ أنّهم كانوا تحته ؛ لأنّه يجوز أن يقول الرّجل :
خرّ عليّ السّقف وتهدّم عليّ المنزل : ولم يكن تحتها.
وقال ابن عبّاس وعبد الرحمن بن زيد : نزل هذا في نمرود. وقيل : في بختنصّر (٤).
قوله تعالى : (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً) [النحل :
٦٦].
يقال : سقيته إذا ناولته ليشرب ، وأسقيته إذا جعلت له ماء ليشربه دائما ، من نهر أو غيره ، يقال : سقى وأسقى بمعنى (٥) ، قال لبيد (٦) :
سقى قومي بني مجد وأسقى |
|
نميرا والقبائل من هلال |
وممّا يسأل عنه أن يقال : على ما يعود الضّمير في (بُطُونِهِ؟).
والجواب : أن العلماء اختلفوا في ذلك :
فذهب بعضهم : إلى أن (الْأَنْعامِ) جمع ، والجمع يذكّر ويؤنّث ، فجاء هاهنا على لغة من يذكّر ، وجاء في سورة (المؤمنين) (٧) على لغة من يؤنّث (٨).
__________________
(١) المفردات في غريب القرآن : ٢٥.
(٢) ينظر مشكل إعراب القرآن : ١ / ٤١٧.
(٣) هذا رأي ابن جني في الخصائص : ٢ / ٢٧٠ ، والمرتضى في أماليه : ١ / ٣٥٣.
(٤) النكت والعيون : ٣ / ١٨٥ ـ ١٨٦.
(٥) ينظر معاني القرآن للفراء : ٢ / ١٠٨ ، واللسان : ١٤ / ٣٩٢ (سقي) ، وفتح القدير : ٣ / ١٢٧.
(٦) ديوانه : ١٢٧ ، وهو من شواهد الفراء في معاني القرآن : ٢ / ١٠٨ ، وابن جني في الخصائص : ١ / ٣٧٠.
(٧) يقصد قوله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) [المؤمنون : ٢١].
(٨) معاني القرآن وإعرابه : ٣ / ١٧٠ ، ومجمع البيان : ٦ / ١٧٣.