و (ما) بمعنى (من) ولأهل السّعادة من الزّمان ، و (ما) على بابها ، وقد روي مثل هذا عن الضحاك ، وهو قريب من قول قتادة (١).
وقال يحيى بن سلّام البصري (٢) : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) [هود : ١٠٧]. يعني ما سبقهم به الّذين دخلوا قبلهم من الفريقين ، واحتج بقوله تعالى : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً) [الزمر : ٧١] ، قال : والزّمرة تدخل بعد الزّمرة ، فلابد أن يقع بينهما تفاوت في الدّخول ، والاستثناء على هذا من الزمان.
وقال الفرّاء والزّجاج وغيرهما (٣) : هو استثناء تستثنيه العرب وتفعله ، كقولك : والله لأضربنّ زيدا إلا أن أرى غير ذلك ، وأنت عازم على ضربه ، والضّمير عائد على المؤمنين والكافرين الّذين تقدم ذكرهم.
وقال المازنيّ : هو استثناء من الزمان الذي هم فيه ، في قبورهم إلى أن يبعثوا (٤). وقال الزّجاج أيضا مثل هذا (٥).
وقال جماعة من المفسرين (٦) : الاستثناء واقع على مقامهم في المحشر والحساب ؛ لأنّهم حينئذ ليسوا في جنّة ولا نار.
وقال جماعة من أصحاب المعاني (٧) : هو استثناء واقع على الزيادة في الخلود على مقدار دوام السّموات والأرض في الدّنيا ، ثم قال : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) من الزيادة في مدّة الخلود على دوام السّموات والأرض في الدّنيا.
قال أبو عبيده (٨) : عزيمة المشيئة تقدمت بخلود الفريقين ، فوقع الاستثناء ، والعزيمة قد تقدّمت بالحتم في الخلود ، وهو كقول الفرّاء والزّجاج في بعض ما روي عنهما.
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن : ٩ / ١٠٢.
(٢) مجمع البيان : ٥ / ٣٣٦. أبو زكريا البصري (ت ٢٠٠ ه). ينظر سير أعلام النبلاء : ٩ / ٣٩٦ ، وميزان الاعتدال : ٤ / ٣٨١.
(٣) مجمع البيان : ٥ / ٣٣٦.
(٤) ينظر إملاء ما منّ به الرحمن : ١ / ٢٦١.
(٥) مجمع البيان : ٥ / ٣٣٤.
(٦) منهم البلخي كما في مجمع البيان : ٥ / ٣٣٥.
(٧) جامع البيان : ١٢ / ١٥٦ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٣ / ٣٨٢ ، وزاد المسير : ٧ / ١٢٠.
(٨) مجاز القرآن : ١ / ٢٩٥.