وروي عن الزّجاج (١) أيضا أنه استثناء يجوز أن يكون وقع على قوله : (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) من أنواع العذاب الّتي لم تذكر. وفي أهل الجنّة استثناء ممّا دلّ عليه الكلام ، كأنّه قال : لهم نعيم ما ذكر وما لم يذكر ممّا شاء الله.
قال بعض الكوفيين : (إِلَّا) بمعنى (الواو) أي : خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض وما شاء ربّك من الزّيادة على دوامهما في الدّنيا (٢).
وقال بعضهم : هو استثناء في أهل الشّقاء على تقدير : إلا ما شاء ربك من الوقت الذي يسعدهم فيه بدخول الجنّة ، وفي أهل السعادة إلا ما شاء ربّك من الوقت الذي أشقاهم فيه بدخول النار [٤١ / ظ] و (ما) للزمان الذي يكونون فيه ، وهو في الموضعين للموحدين العصاة (٣).
وقال جماعة : الاستثناء لأهل التوحيد ، والمعنى : إلا ما شاء ربّك أن يتجاوز عنهم ، ولا يدخلهم النار ، قال أبو مجلز : جزاؤه إن شاء تجاوز عنهم والاستثناء من الأعيان وهم العصاة من الموحدين ، و (ما) بمعنى (من) ، وكان الحسن يقول : استثنى ثمّ عزم إنّ ربّك فعّال لما يريد ، وإنّه أراد أن يخلّدهم بقوله : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : ١٠٧](٤).
وقال بعضهم المعنى : خالدين فيها بعد إعادة السموات والأرض ؛ لأنه تعالى يفنيهما حتى تكونا آخرا كما كانتا أولا ، ثم يعيدهما ، فاستثنى (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ ،) فوقع الاستثناء على موقفهم في الحساب حتى يفرغ منه (٥).
وقيل : الاستثناء واقع على الموقفين على النّار من المؤمنين ، فإذا أخرجوا من النّار بالشّفاعة ، وأدخلوا الجنة سقط الاستثناء عنهم وعن أهل النار ، وبقي كلّ فريق فيها بعد مخلدا أبد الآبدين (٦) ، وهو كقول قتادة والضّحّاك.
فهذه أقوال العلماء ، وفيها تداخل إلا أنّي أوردتها على ما سمعتها من شيوخنا ـ رضي الله عنهم ـ وأمّا تجديد الخلود بدوام السموات والأرض فقال قتادة : ما دامت السّموات
__________________
(١) معاني القرآن وإعرابه : ٣ / ٦٥.
(٢) معاني القرآن للفراء : ٢ / ٢٨ ، وأحكام القرآن : ١ / ١١١.
(٣) ينظر التفسير الكبير : ١٨ / ٦٧ ، والمجيد (تحقيق : طلعت) : ٦٩.
(٤) ينظر جامع البيان : ١٢ / ١٥٤ ، ومجمع البيان : ٥ / ٣٣٧.
(٥) ينظر أمالي المرتضى : ٤ / ٦.
(٦) ينظر جامع البيان : ١٢ / ١٥٥.