والجواب الثاني : أن (لولا) بمعنى (ما) للنّفي ، وهذا قول ذكره ابن النّحاس (١) ، ولم أسمع عن غيره ، والتّقدير على هذا : ما كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس.
ويسأل عن هذا الاستثناء ما هو؟
والجواب : أنه استثناء منقطع في اللفظ ؛ لأنّه بعد (قَرْيَةٌ ،) متصل في المعنى إذ المعنى :
فلو لا كان أهل قرية.
ويونس اسم أعجمي لا ينصرف للعجمة والتّعريف (٢) ، وليس من الأنس والاستئناس وإن وافق اللفظ اللفظ (٣).
قوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [يونس : ١٠٤].
الشّك : التّوقف بين الحق والباطل (٤) ، والدّين هاهنا : الملّة.
وممّا يسأل عنه أن يقال : لم قال : (إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) وهم يعتقدون بطلان هذا الدّين؟ وعن هذا ثلاثة أجوبة (٥) :
أحدها : أن يكون التّقدير : من كان شاكّا في أمري وهو مصمّم على أمره فهذا حكمه.
والثاني : أن يكون المعنى أنّهم في حكم الشّاك لاضطراب أنفسهم عند ورود الآيات.
والثالث : أن يكون فيهم الشّاك وغير الشّاك ، فجرى على التغليب.
وهذه الأقوال كلّها عن أصحاب المعاني.
ويقال : لم جعل جواب (إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍ) (لا أعبد) ، وهو لا يعبد غير الله شكّوا أو لم يشكّوا؟
والجواب : أن المعنى لا تطمعوا أن تشككوني بشككم حتى أعبد غير الله كعبادتكم ، كأنه قال : إن كنتم في شكّ من ديني فلا أعبد الّذين يعبدون من دون الله بشكّكم (٦).
__________________
(١) ينظر معاني القرآن للفراء : ١ / ٤٧٩ ، وإعراب القرآن للنحاس : ٢ / ٧٥.
(٢) ما ينصرف وما لا ينصرف : ٤٥.
(٣) يرد المجاشعي على أبي عبيدة عند ما قال في مجاز القرآن : ١ / ٢٨٤ : بأنّ يونس من آنسته.
(٤) الصحاح : ٤ / ١٥٩٤ (شك).
(٥) تنظر الأجوبة الثلاثة بنصها في التبيان في تفسير القرآن : ٥ / ٤٣٩ ، ومجمع البيان : ٥ / ٢٣٧.
(٦) ينظر جامع البيان : ١١ / ٢٢٨ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٣ / ٣٢٢ ، وزاد المسير : ٤ / ٥٩ ، وتفسير القرآن العظيم : ٢ / ٤٥٠.