ومثله قوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة : ٦٢] ، وتقدير هذا عند سيبويه (١) : أن الخبر الأوّل محذوف لدلالة الثاني عليه ، كأنّه قال : والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه ، ثم حذف ، وقال أبو العبّاس : هو على التقديم والتأخير ، كأنه قال : والله أحق أن يرضوه ورسوله ، وقد قيل : إنّه اقتصر على أحدهما لأنّ رضا الرّسول عليهالسلام رضا الله تعالى ، فترك ذكره ؛ لأنّه دلّ عليه مع الإيجاز ، وقيل : أنّه لم يذكر تعظيما له بإفراد الذكر (٢).
قوله تعالى : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) [التوبة : ٨٠] هذه الآية نزلت في قوم أيأس الله تعالى نبيّه من إسلامهم ، وروى الحسن وقتادة أن النبي عليهالسلام قال : لأزيدنّ على السّبعين (٣) ، فأنزل الله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) [المنافقون : ٦] ، وكان النبي عليهالسلام يدعو لهم بالمغفرة رجاء أن يكون لله تعالى بهم لطف فيستجيب له ، فلمّا أيأسه كفّ عن ذلك.
ويسأل عن صيغة الأمر في قوله : (أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ؟)
والجواب : أنّه للمبالغة عن اليأس من المغفرة ، وخصّ عدد السّبعين للمبالغة (٤) ، وذلك [٣٧ / و] أن العرب تبالغ بالسّبعة والسّبعين ، ولهذا قيل للأسد سبع ؛ لأنهم تأوّلوا فيه لقوته أنها ضوعفت له سبع مرات (٥).
قوله تعالى : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) [التوبة : ١١٨].
هذا معطوف على قوله تعالى : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) [التوبة : ١١٧].
ويسأل عن هؤلاء الثّلاثة؟
__________________
(١) ينظر الكتاب : ١ / ٣٨.
(٢) ينظر أحكام القرآن : ٣ / ٤٨٥ ، والجامع لأحكام القرآن : ٨ / ١٩٤.
(٣) ينظر صحيح البخاري : ٥ / ٢٠٦ ، وأحكام القرآن : ٣ / ١٨٥ ، وأسباب نزول الآيات : ١٧٣ ، والجواهر الحسان : ٥ / ٤٣٦ ، ولباب النقول : ١٩٦.
(٤) مجمع البيان : ٥ / ٩٧.
(٥) اللسان : ٨ / ١٤٦ (سبع).