أحدهما : أنّ موضعه نصب ؛ لأنّه معطوف على اسم (إن) ، ويكون المعنى : وإنّ الّذين يكنزون الذّهب والفضة يأكلونها.
والثاني : أن يكون رفعا على الاستئناف.
ويسأل : لم قال : (يُنْفِقُونَها). ولم يقل : (ينفقونهما)؟ وفي هذا أجوبة :
أحدها : أنّه يرجع إلى ما دلّ عليه الكلام ، كأنّه قال : ولا ينفقون الكنوز (١).
والثاني : أنّه لمّا ذكر الذّهب والفضّة دلّ على (الأموال) ، فكأنّه قال : ولا ينفقون الأموال (٢).
والثالث : أن الذّهب مؤنّث ، وهو جمعّ واحده (ذهبة) ، وهذا الجّمع الّذي ليس بينه وبين واحده إلّا (الهاء) يذكّر ويؤنّث ، قال الله تعالى : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) [الحاقة : ٧] وقال : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [القمر : ٢٠] فذكّر. ثم لمّا اجتمعا في التّأنيث ، وكان كل واحد منهما يؤخذ عن صاحبه في الزّكاة على قول جمهور أهل العلم جعلهما كالشيء الواحد ، وردّ الضمير إليهما بلفظ التأنيث (٣). والرابع : أنّه اكتفى بأحدهما عن الآخر للإيجاز ، وردّ الضمير إلى الفضة ؛ لأنها أقرب إليه ، وإن شئت إلى الذّهب ، على مذهب من يؤنثه ، والعرب تكتفي بأحد الشيئين عن الآخر للإيجاز والاختصار (٤).
قال الشاعر :
رماني بأمر كنت منه ووالدي |
|
بريئا ومن أجل الطّوىّ رماني (٥) |
ولم يقل : (بريئين) ، وكذا قول الآخر :
نحن بما عندنا وأنت بما عن |
|
دك راض والرّأي مختلف (٦) |
__________________
(١) القول للفراء في معاني القرآن : ١ / ٤٣٤.
(٢) معاني القرآن وإعرابه : ٢ / ٣٥٩.
(٣) مجمع البيان : ٥ / ٤٦ ، وتاج العروس : ١ / ٢٥٨.
(٤) ينظر معاني القرآن للفراء : ١ / ٤٣٤ ، ومجاز القرآن : ١ / ٢٥٧ ، ومعاني القرآن للأخفش : ٢ / ٣٣٠ ، ومشكل إعراب القرآن : ١ / ٣٢٨.
(٥) البيت لابن عمرو بن أحمر الباهلي ، وهو من شواهد سيبويه في الكتاب : ١ / ٣٨ ، والطبري في جامع البيان : ١١ / ١١٤ ، والطوسي في التبيان في تفسير القرآن : ١ / ١٧٢ ، والباقولي في كشف المشكلات : ١ / ٥٠٠.
(٦) البيت من شواهد سيبويه في الكتاب : ١ / ٣٨ ونسبه إلى قيس بن الخطيم ، وهو من شواهد الفراء في معاني القرآن : ١ / ٤٣٤ ، وأبي عبيدة في مجاز القرآن : ١ / ٢٥٨ ، والزّجاج في معاني القرآن وإعرابه : ٢ / ٣٥٩.