والجواب العاشر : ذهب إليه بعض المتكلمين قال المعنى : إلّا ما شاء الله من الفائت قبل ذلك من الاستحقاق ، كأنّه قال : خالدين فيها على مقدار مقادير الاستحقاق إلّا ما شاء الله من الفائت قبل ذلك ، والفائت من العقاب يجوز تركه بالعفو عنه ، والاستثناء على هذا متصل (١).
قال بعض شيوخنا : المعنى : إلّا ما شاء الله من تجديد الجلود بعد إحراقها وتصريفهم في أنواع العذاب معها ، أي : خالدين فيها على صفة واحدة إلّا ما شاء الله من هذه الأحوال والأمور الّتي ذكرت ، و (ما) على بابها على هذا القول (٢).
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) [الأنعام : ١٣٧].
الشّركاء هاهنا الشّياطين ، زينوا للمشركين وأد البنات وهو دفنهنّ وهنّ في الحياة خوفا من الفقر والعار ، هذا قول الحسن ومجاهد والسدي (٣) ، وقيل : هم الغواة من النّاس ، وقيل : شركاؤهم في نعمتهم وأموالهم (٤) ، وقيل : شركاؤهم في الاشراك والكفر وما يعتقدونه وينالون عنه (٥) ، وقيل : هم قوم كانوا يخدمون الأوثان ويقومون بأمرها وإصلاح شأنها وما تحتاج إليه ، وهذا قول الفراء (٦) والزجاج (٧).
وفي هذه الآية أربع قراءات (٨) :
قراءة الجماعة : (زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ)
__________________
(١) ذكره الرماني والبلخي والطبري والجبائي. ينظر التبيان في تفسير القرآن : ٤ / ٢٧٤. وينظر رأي الطبري في جامع البيان : ٨ / ٤٦.
(٢) ينظر التبيان في تفسير القرآن : ٤ / ٢٧٤ ، وبحر العلوم : ١ / ٥١٣.
(٣) جامع البيان : ٨ / ٥٦ ـ ٥٧ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٢ / ٤٩٥ ، وبحر العلوم : ١ / ٥١٦.
(٤) التبيان في تفسير القرآن : ٤ / ٢٨٧ ، ومجمع البيان : ٤ / ١٧١ ، والنكت والعيون : ٢ / ٥٨٢ ، وزاد المسير : ٣ / ٨٩ ، والجامع لأحكام القرآن : ٧ / ٩١.
(٥) إعراب القرآن للنحاس : ١ / ٥٨٢.
(٦) معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٥٧.
(٧) لم أقف على قول الزجاج في معانيه. ينظر قوله في مجمع البيان : ٤ / ١٧١.
(٨) ينظر القراءات الأربع مفصلة في : السّبعة : ٢٧٠ ، والحجة في القراءات : ١٥٠ ـ ١٥١ ، والمبسوط : ٢٠٣ ، والتيسير : ١٠٧.