ووجه هذه القراءة ظاهر. إلّا ابن عامر فإنّه قرأ زينَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ بضمّ (الزّاي) ونصب (الأولاد) وجر (الشّركاء) ، فهذه الرواية المشهورة عنه.
ورويت عنه رواية أخرى وهي جر (الأولاد) و (الشّركاء) جميعا ، فهذه ثلاث قراءات. والقراءة الرابعة : زينَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ بضم (الزّاي) ورفع (قتل) وجر (الأولاد) ورفع (الشّركاء) وأظنّها قراءة أبي عبد الرحمن السّلمي (١).
ووجه قراءة ابن عامر أنّه فرق بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول ، كأنّه قال : قتل شركائهم أولادهم ، والشّركاء في المعنى فاعلون ، وهذا ضعيف في العربية (٢) ، وإنّما يجوز في ضرورة الشّعر نحو قول الشاعر :
فزججتها متمكّنا |
|
زجّ القلوص أبي مزادة (٣) |
وأمّا القراءة الثانية : فوجهها [٣٣ / و] أنّه جعل (الشّركاء) بدلا من (الأولاد) لمشاركتهم إياهم في النّسب والميراث ، ويقال إنّ الذي حمله على هذه القراءة أنّه وجد (شركائهم) في مصاحف أهل الشّام بالياء.
وأمّا القراءة الرّابعة : وهي شاذة ، فعلى أنّه لمّا قال (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ) قيل : من زيّنه؟ قيل : شركاؤهم ، أي : زيّنه شركاؤهم (٤) ، ومثله قوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ) [النور : ٣٦ ـ ٣٧] على مذهب من قرأ (يُسَبِّحُ) على ما لم يسمّ فاعله (٥).
وأنشد سيبويه (٦) :
__________________
(١) هو عبد الله بن حبيب مقرئ الكوفة (ت ٧٤ ه). ينظر مشاهير علماء الأمصار : ١٦٤ ، وتذكرة الحفاظ : ١ / ٥٨.
(٢) ردّ هذه القراءة الأزهري في معاني القراءات : ١ / ٣٨٨.
(٣) لم أقف على قائله ، وهو من شواهد الفراء في معاني القرآن : ١ / ٣٥٨. وثعلب في مجالسه : ١٢٥ ، وابن جني في الخصائص : ٢ / ٤٠٦ ، وابن يعيش في شرح المفصل : ٣ / ١٩.
(٤) إعراب القرآن للنحاس : ١ / ٥٨٣ ، وإملاء ما منّ به الرحمن : ١ / ٢٦٢.
(٥) قرأ بها ابن عامر وأبو بكر عن عاصم. ينظر المبسوط : ٣١٩ ، والمستنير : ٤٦٠ ، والكنز : ٥٠٥.
(٦) البيت للحارث بن نهيك كما في الكتاب : ١ / ١٨٣.