قوله تعالى : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣].
يقال كيف كذبوا مع علمهم بأنّ الكذب في الآخرة لا ينفعهم ، وأنّ الله تعالى يعلم ذلك منهم؟.
والجواب : [٣٠ / و] أنّ للآخرة مواقف ، فموقف لا يعلمون فيه ذلك ، وموقف يعلمون فيه ، وهو استقرارهم في النّار ، وقال الحسن : جروا على عادتهم في الدّنيا لأنّهم منافقون (١).
ويجوز في (فتنتهم) الرّفع والنّصب (٢) :
فالرّفع على أنّه اسم (تكن) و (أَنْ قالُوا) الخبر (٣).
والنّصب على أن يكون خبرا و (إِلَّا أَنْ قالُوا) الاسم (٤). وهو الوجه ؛ لأمرين :
أحدهما : أن الخبر أولى بالنّفي ، والاسم أولى بالإثبات.
والثاني : أنّ قوله : (إِلَّا أَنْ قالُوا). يشبه المضمر من قبل أنّه لا يوصف ولا يوصف به ، والمضمر أعرف المعارف ، وإذا اجتمع في كان اسمان أحدهما أعرف من الآخر كان الأعرف اسما لها والآخر خبرا لها وكذا المعرفة والنّكرة تكون المعرفة اسما والنّكرة خبرا (٥) ، قال الشّاعر :
وقد علم الأقوام ما كان داءها |
|
بثهلان إلّا الخزي ممّن يقودها (٦) |
فصل :
وممّا يسأل عنه أن يقال : لم أنث (تَكُنْ) والاسم مذكر؟
__________________
(١) ينظر معاني القرآن وإعرابه : ٢ / ١٨٤ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٣ / ٢١٨.
(٢) (تكن) بالتاء و (فِتْنَتُهُمْ) بالرفع : قراءة ابن عامر ، ووافقه ابن كثير برواية قنبل ، وعاصم برواية حفص. (يكن) بالياء و (فتنتهم) بالنصب : قراءة حمزة والكسائي. السّبعة : ٢٥٤ ـ ٢٥٥ ، وحجة القراءت : ٢٤٣.
(٣) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن : ١ / ١٨٨.
(٤) هذا القول للأزهري في معاني القراءات : ١ / ٣٤٧.
(٥) رجّح هذا الوجه ، وعلّل بهذا التعليل مكي في مشكل إعراب القرآن : ١ / ٢٤٨.
(٦) البيت من شواهد سيبويه في الكتاب : ١ / ٢٤ ، والطبري في جامع البيان : ٤ / ١٦٢ ، وابن جني في المحتسب : ٢ / ١١٦ ، بلا عزو.