والجواب : لأنّه وقع على مؤنث وهو (الفتنة) ، وهي أقرب إلى الفعل (١) مثل قول لبيد (٢) :
فمضى وقدّمها وكانت عادة |
|
منه إذا هي عرّدت إقدامها |
قال الزجاج (٣) : يجوز أن يكون التّقدير في قوله إلا أن قالوا : إلا مقالتهم ، فتؤنث لذلك ، وهذا وجه جيد صحيح.
قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنعام : ٢٧].
يقال : وقف يقف وقوفا ، ووقف غيره يقفه وقفا (٤) ، وحكي عن أبي عمرو أنّه أجاز (ما أوقفك هاهنا) مع إخباره أنّه لم يسمعه من العرب (٥) ، وهو غير جائز عند علمائنا (٦).
وممّا يسأل عنه أن يقال : لم جاز (وَلَوْ تَرى) و (لو) إنّما هي للماضي؟
والجواب : لأنّ الخبر لصحته وصدق المخبر به صار بمنزلة ما وقع ، وقد ذكرنا له نظائر. ويقال : (لو) فيها معنى الشّرط فلم لم تجزم؟
قيل (٧) : لمخالفتهما حروف الشّرط ، وذلك أن حروف الشّرط تردّ الماضي مستقبلا ، نحو قولك : إن قمت قمت معك ، كما تقول : إن تقم أقم معك ، و (لو) لا تفعل ذلك الفعل ، فلم تجزم لذلك.
ويسأل عن جواب (لو)؟
والجواب : أنّه محذوف ، وتقديره : أرأيت أمرا هائلا ، وهذه الأجوبة تحذف لتعظيم الأمر وتفخيمه (٨) ، نحو قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ
__________________
(١) ينظر جامع البيان : ٧ / ٢١٩ ، ومجمع البيان : ٤ / ٢٥.
(٢) ديوانه : ٣٠٦ ، وفي جمهرة أشعار العرب : ١٧٦. وهو من شواهد ابن الأنباري في المذكر والمؤنث : ٢ / ٢١٦ ، وابن جني في الخصائص : ١ / ٧٠. عرّدت : انهزمت. العين : ٢ / ٣٢ (عرّد).
(٣) معاني القرآن وإعرابه : ٢ / ١٩٠.
(٤) ينظر العين : ٥ / ٢٢٣ (وقف) ، والصحاح : ٤ / ١٤٤٠ (وقف).
(٥) جامع البيان : ٧ / ٢٣١ ، وتهذيب اللغة : ٩ / ٣٣٣ ، والمجيد : (تحقيق : إبراهيم) : ٣٤.
(٦) ينظر مشكل إعراب القرآن : ١ / ٢٥٠.
(٧) هذا قول الرماني في معاني الحروف : ١٠٢ ، وينظر إملاء ما منّ به الرحمن : ١ / ٧٣.
(٨) ينظر كشف المشكلات : ١ / ٤٢٩ ، والبيان : ١ / ٣١٨ ، والجامع لأحكام القرآن : ٢ / ٢٠٥.