قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [المائدة : ١١٦].
يسأل عن معنى سؤاله تعالى لعيسى عليهالسلام؟
وفيه جوابان :
أحدهما : التّوبيخ لمن ادّعى ذلك عليه ، كما [٢٩ / و] يقرّر الرجل البريء بحضرة المدّعى عليه ليبكت المدّعي بذلك ، وهذا قول الزجاج (١).
والثاني : أن الله تعالى أراد أن يعرّفه أن قومه آل أمرهم إلى هذا الأمر العجيب المنكر ، وهذا على تأويل قول السّدي : أنّه قيل له هذا في الدّنيا (٢).
فصل :
ويسأل : هل قيل له هذا في الدّنيا ، أو سيقال له؟
وفي هذا جوابان :
أحدهما : أنه سيقال له يوم القيامة (٣) ، وهو قول ابن جريج وقتادة والزجاج لقوله : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [المائدة : ١١٩].
والثاني : أنّه قيل له ذلك حين رفعه الله تعالى إليه في الدّنيا ، وهو قول السّدي (٤) ؛ لأن الفعل بلفظ الماضي ، ولا ينكر أن يأتي الفعل الماضي ومعناه الاستقبال في مثل هذا ، وقد جاء في القرآن منه مواضع كثيرة ، نحو قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) [الأنعام : ٢٧] وقال : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) [البقرة : ١٦٦] وقال : (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١] وقال : (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ) [الأعراف : ٥٠] ، وهذا إنّما يأتي لصدق المخبر فيما يخبر ؛ لأنّه يصير في الثّبات والصّحة بمنزلة ما قد وقع.
__________________
(١) معاني القرآن وإعرابه : ١ / ١٨٠.
(٢) جامع البيان : ٧ / ١٨٣ ، والنكت والعيون : ٢ / ٨٧.
(٣) إعراب القرآن للنحاس : ١ / ٥٣١ ، وبحر العلوم : ١ / ٤٦٩. وزاد المسير : ٢ / ٤٦٣.
(٤) رجحه الطبري ينظر جامع البيان : ٧ / ١٨٣ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٢ / ٣٨٩ ، والنكت والعيون : ٢ / ٨٧ ، والمحرر الوجيز : ٥ / ١١١ ، وتفسير السدي الكبير : ٢٣٨.