فصل :
ويسأل عن أي الفعلين أعمل من قوله تعالى : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) [النساء : ١٧٦]
والجواب : أن المعمل الثاني هو (يُفْتِيكُمْ ،) والتقدير : يستفتونك في الكلالة قل الله يفتيكم في الكلالة (١).
فحذف الأول لدلالة الثاني ، ولو أعمل الأول لقال : يستفتونك قل الله يفتيكم فيها في الكلالة (٢).
وإعمال الفعل الثاني عند البصريين أجود وعليه جاء القرآن نحو قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ) [المنافقون : ٥] ، فأعمل (يَسْتَغْفِرْ ،) ولو أعمل (تَعالَوْا) لقال : تعالوا يستغفر لكم إلى رسول الله.
فأمّا في الشعر فقد جاء إعمال الأول كما جاء إعمال الثاني ، فمن إعمال الأول قول امرئ القيس (٣) :
فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة |
|
كفاني ولم أطلب قليل من المال |
يريد : كفاني قليل من المال ولم أطلب ، ولو أعمل الثاني لا نفسد المعنى.
ومن إعمال الثاني قول طفيل (٤) :
وكمتا مدمّاة كأن متونها |
|
جرى فوقها واستشعرت لون مذهب |
فأعمل (استشعرت) ولو أعمل (جرى) لقال : جرى فوقها واستشعرت لون مذهب ، ومثل ذلك قول كثير (٥) :
قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه |
|
وعزّة ممطول معنّى غريمها |
__________________
(١) هذا رأي البصريين ، ينظر الكتاب : ١ / ٣٧ ، والمقتضب : ٣ / ١١١ ، والبحر المحيط : ٤ / ١٥٠ ، والدر المصون : ٤ / ١٧١ ـ ١٧٢.
(٢) هذا رأي الكوفيين ، ينظر إعراب القرآن لأبي طاهر : ق ٢١٥ ، والتبيان : ١ / ٤١٣ ، والبحر المحيط : ٤ / ١٠٥.
(٣) ديوانه : ٥٢ ، وهو من شواهد سيبويه : ١ / ٤١ ، وجامع البيان : ١ / ١٠٥ ، وشرح ابن عقيل : ١ / ٥٤٧.
(٤) هو طفيل بن كعب الغنوي. الشعر والشعراء : ٣٠٠ ، والبيت في ديوانه : ٥٢ ، وهو من شواهد سيبويه في الكتاب : ١ / ٣٩ ، والمبرد في المقتضب : ٤ / ٧٥ ، وابن منظور في اللسان : ٢ / ٨١ (كمت).
(٥) ديوانه : ١٧٧ ، وهو من شواهد الفارسي في الإيضاح : ٦٦ ، والجوهري في الصحاح : ١٩٩٦ (عزم).