فأعمل (وفّى) ولو أعمل (قضى) لقال : قضى كل ذي دين فوفّاه غريمه ، وهو كثير في الشعر والكلام وقوله : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ). ارتفع (امْرُؤٌ) بإضمار فعل يفسره ما بعده تقديره : إن هلك امرؤ هلك ، ولا يجوز إظهاره ؛ لأن الثاني يغني عنه (١). وقال الأخفش (٢) هو مبتدأ و (هَلَكَ) خبره.
والأول أولى ؛ لأنّ الشرط بالفعل أولى (٣).
وقوله : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٦] ، في (إِنِ) ثلاثة أقوال :
أحدها : أن المعنى كراهة أن تضلوا ، فهي على هذا في موضع نصب مفعول له.
والثاني : أنه على إضمار حرف النفي ، كأنه قال : أن لا تضلوا ، وتلخيصه : لئلا تضلوا.
والأول مذهب البصريين (٤) والثاني مذهب الكسائي (٥).
ومثل الأول قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] ، أي : أهل القرية (٦).
ومثل الثاني قول القطامي يصف ناقته (٧) :
رأينا ما يرى البصراء فيها |
|
فآلينا عليها أن تباعا |
يريد : أن لا تباعا ، [٢٧ / و] ومثل الأول قول عمرو بن كلثوم (٨) :
فأعجلنا القرى أن تشتمونا
__________________
(١) ينظر الكتاب : ١ / ٤٢ ، والمقتضب : ٣ / ١٧٦ ، وأمالي ابن الشجري : ٢ / ٨١ ، والفريد : ١ / ٨٢٩ ، وتفسير البيضاوي : ١ / ٢٥١.
(٢) معاني القرآن للأخفش : ١ / ٣٤٩.
(٣) ينظر التبصرة والتذكرة : ١ / ٣٣٢.
(٤) إعراب القرآن للنحاس : ١ / ٥١١ ، وأمالي ابن الشجري : ٣ / ١٦٠ ، والبحر المحيط : ٤ / ١٥٢ ، والدر المصون : ٤ / ١٧٦.
(٥) معاني القرآن للفراء : ١ / ٢٩٧ ، وإعراب القرآن لأبي طاهر : ق ٢١٥ ، والجامع لأحكام القرآن : ٥ / ٣٨٩ ، والبحر المحيط : ٤ / ١٥٢.
(٦) الكتاب : ١ / ١٠٨ ، ومعاني القرآن للفراء : ١ / ٦١ ، والنوادر : ١٦٨.
(٧) ديوانه : ٤٣ ، وهو من شواهد الطبري في جامع البيان : ٩ / ٤٤٦ ، وأبي طاهر في إعراب القرآن : ق ٢١٥ ، والدر المصون : ٤ / ١٥٣ ، يصف ناقته ، فيقول : إنه لما رأى حسنها وكرمها حلف عليها ألّا تباع.
(٨) هذا عجز بيت صدره : (نزلتم منزل الأضياف منّا) وهو البيت الثاني والثلاثون من معلقته ، وهو من شواهد الشريف المرتضى في الأمالي : ٣ / ١٣٧ ، وابن يعيش في شرح المفصل : ٨ / ١١٥.