وأما الحسن بتأليف الحروف المتلائمة ، فإنه يدرك بالحسّ ، ويوجد في اللفظ ؛ لأن الخروج من الفاء إلى اللام أعدل من الخروج من اللام إلى الهمزة ؛ لبعد الهمزة من اللام ، وكذا الخروج من الصاد إلى الحاء أعدل من الخروج من الألف إلى اللام ، فباجتماع هذه الأمور التي ذكرنا صار أبلغ منه وأحسن ، وإن كان الأول حسنا بليغا ، وقد أخذه الشاعر ، فقال :
أبلغ أبا مالك عني مغلغلة |
|
وفي العتاب حياة بين أقوام (١) |
فصل :
ويسأل عن معنى (لعلّ) هاهنا (٢) :
والجواب : أن فيها ثلاثة أقوال :
أحدها : أن يكون بمعنى اللام ، كأنه قال : (لتتقوا).
والثاني : أن يكون للرجاء والطمع ، كأنه قال : على رجائكم وطمعكم في التقوى.
والثالث : على معنى التعرض ، كأنه قال : على تعرضكم للتقوى.
وقيل في (تَتَّقُونَ) قولان (٣) :
أحدهما : لعلكم تتقون القتل بالخوف (٤) من القصاص. وهو قول ابن زيد.
والثاني : لعلكم تتقون ربكم باجتناب معاصيه.
[١٦ / ظ] قوله تعالى : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة : ١٨٤].
__________________
(١) البيت منسوب في البيان والتبيين : ٢ / ٣٧٠ إلى همام الرقاشي ، وأنشده ابن بري في اللسان : ١١ / ٥٠٥. مغلغلة : رسالة محمولة من بلد إلى بلد. والعتاب : هو الملامة ولا يكون إلا بين اثنين فصاعدا. وإنما قال حياة ؛ لأنه يخفف من الغيظ ، وقد يبطل العتاب حربا يقتل فيها الألوف. فكأنه يقول : أوصل هذه الرسالة التي هي عتاب ، والعتاب حياة لقومي وقومك.
(٢) مجمع البيان : ١ / ٤٩٢ ، وينظر في معاني (لعل) مغني اللبيب : ١ / ٣٧٧.
(٣) ينظر جامع البيان : ٢ / ١٥٧ ـ ١٥٨ ، والنكت والعيون : ١ / ٢٣١ ، ومعالم التنزيل : ١٥ / ١٩٢.
(٤) في الأصل : للخوف. وما أثبتاه هو الصواب. وينظر التبيان في تفسير القرآن : ٢ / ١٠٧ ، ومجمع البيان : ١ / ٤٩٢.