أشياء من القرآن ثم نسخت تلاوتها (١) ، فمنها ما ذكر أبو [١٥ / و] موسى الأشعري (٢) أنهم كانوا يقرؤون : (لو أنّ لابن آدم واديين من ذهب لابتغى لهما ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التّراب ويتوب الله على من تاب) (٣). ثم رفع.
ومنها : عن قتادة عن أنس أنّ السبعين من الأنصار الذين قتلوا ببئر معونة كانوا يقرؤون فيهم كتابا : (بلّغوا عنّا قومنا أنّا لقينا ربّنا ورضي عنّا وأرضانا) (٤). ثم إنّ ذلك رفع.
ومنها : (الشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة) (٥).
ومنها : ما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال : كنا نقرأ : (لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم) (٦).
ومنها ما حكي أن سورة الأحزاب كانت تعادل سورة البقرة في الطول (٧).
فصل :
ومما يسأل عنه : أن يقال : على كم وجه يصحّ النّسخ؟
والجواب : على ثلاثة أوجه : نسخ الحكم دون اللفظ ، ونسخ اللفظ دون الحكم ، ونسخهما جميعا (٨). فالأول : كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ) إلى قوله : (يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ) [الأنفال : ٦٥ ـ ٦٦].
والثاني : كآية الرجم ، كانت منزلة فرفع لفظها وبقي حكمها.
والثالث : يجوز وإن لم يقطع بأنه كان كالذي قيل إنه كان على المؤمنين فرض قيام الليل ثم نسخ ، ولا يجوز النّسخ إلا في الأمر والنهي ، ولا يجوز في الخبر والقصص ، لأن
__________________
(١) ينظر بحر العلوم : ١ / ١٤٧.
(٢) هو عبد الله بن قيس بن سليم ، صحابي جليل (ت ٥٢ ه) وقيل (٥٣ ه). ينظر الإصابة : ٤ / ١٨٠.
(٣) ينظر صحيح البخاري : ٧ / ١٧٥ ، وجامع البيان : ١ / ٦٧٠ ، والناسخ والمنسوخ لابن حزم : ٩.
(٤) مسند أحمد : ٣ / ١٠٩ ، والمعجم الكبير : ١٠ / ١٥٣ ، والدر المنثور : ٢ / ٩٥.
(٥) جامع البيان : ٦ / ٣٣١ ، وأحكام القرآن : ١ / ٢١٦ ، وفتح الباري : ٩ / ٥٤.
(٦) نواسخ القرآن : ٣٥ ، والجامع لأحكام القرآن : ٢ / ٦٦ ، والبرهان للزركشي : ٢ / ٣٩.
(٧) التبيان في تفسير القرآن : ١ / ٣٩٤ ، والجامع لأحكام القرآن : ٢ / ٦٣ ، وفتح القدير : ١ / ١٢٦.
(٨) الناسخ والمنسوخ لابن حزم : ٩ ، وسبل السّلام : ٣ / ٢١٦.