فأمّا ننسخ : فمن نسخت فأنا ناسخ ، والشيء منسوخ (١) ، وأمّا ننسخ ففيه وجهان (٢) :
أحدهما : أن يكون بمعنى ما ننسخك يا محمد ، وهو قول أبي عبيدة (٣).
يقال : نسخت الكتاب وأنسخته غيري.
والثاني : أن يكون ننسخ جعلته ذا نسخ ، كما يقال : أقبرته جعلته ذا قبر (٤).
ويروى أنّ الحجّاج صلب رجلا ، فقال له قومه : أقبرنا فلانا ، أي : اجعله ذا قبر (٥).
واختلف في (ننساها) ، فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ننسأها بالهمزة (٦) وهو جزم بالشّرط ، ولا يجوز حذفها عندهما ؛ لأنّ سكونها علامة الجزم ، وقرأ الباقون (نُنْسِها) بضم النون وكسر السين (٧) على أن يكون من النّسيان ، أو يكون من الترك. والأول قول قتادة ، والثّاني قول ابن عباس (٨).
قال الزجاج : هذا خطأ ، وإنّما يقال : نسيت بمعنى تركت ، ولا يقال : أنسيت بمعنى تركت ، وإنما معنى (ننسها) نتركها ، أي : نأمر بتركها (٩).
فصل :
وممّا يسأل عنه : أن يقال : كيف يجوز على الجماعة الكبيرة أن تنسى شيئا كانت حافظة له حتى لا يذكره ذاكر منها؟
والجواب : أنّ فيه قولين :
أحدهما : أنه إذا أمر الناس بترك تلاوته نسي على مرور الأيام.
والثاني : أن يكون معجزة للنبي عليهالسلام ، وقد جاءت أحاديث متظاهرة في أنها نزلت
__________________
(١) ينظر المحرر الوجيز : ١ / ٣٧٧ ، والمجيد (تحقيق : عبد الرزاق) : ٣٥٨.
(٢) جامع البيان : ١ / ٣٨٠. وكشف المشكلات : ١ / ٢٢٣.
(٣) مجاز القرآن : ١ / ٤٩.
(٤) الصحاح : ٢ / ٧٨٤ (قبر).
(٥) ينظر زاد المسير : ٨ / ١٨٤ ، والجامع لأحكام القرآن : ١ / ٢٣٣. والرجل الذي صلبه الحجاج هو : صالح عبد الرحمن مولى تميم ، كان كاتبا عنده.
(٦) السبعة : ١٦٨ ، والحجة في علل القراءات السبع : ٢ / ١٤٦.
(٧) السبعة : ١٦٨ ، وحجة القراءات : ١٠٩ ـ ١١٠ ، وإعراب القراءات الشواذ : ١ / ١٩٦ ـ ١٩٧.
(٨) ينظر جامع البيان : ١ / ٣٧٩ ، والنكت والعيون : ١ / ١٧٠.
(٩) ينظر معاني القرآن وإعرابه : ١ / ١٦٧.